للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو من جملة أصناف الوحي إلى الأنبياء، ولكن لم أر في شيء من الأحاديث وصفه بما وصفت به الرؤيا، أنه جزء من النبوة. وقد قيل في الفرق بينهما أن المنام يرجع إلى قواعد مقررة، وله تأويلات مختلفة، ويقع لكل أحد، بخلاف الإلهام، فإنه لا يقع إلا للخواص، ولا يرجع إلى قاعدة يميز بها بينه وبين لمة الشيطان.

وتُعُقِّب بأن أهل المعرفة بذلك ذكروا أن الخاطر الذي يكون من الحق يستقر ولا يضطرب، والذي يكون من الشيطان يضطرب ولا يستقر، فهذا إن ثبت كان فارقًا واضحًا. ومع ذلك فقد صرح الأئمة بأن الأحكام الشرعية لا تثبت بذلك. قال أبو المظْفّر بن السَّمْعَاني في "القواطع" بعد أن حكى عن أبي زيد الدَّبوسي من أئمة الحنفية: إن الإلهام ما حرك القلب لعلم يدعو إلى العمل به من غير استدلال، والذي عليه الجمهور أنه لا يجوز العلم به إلا عند فَقْدِ الحجج كلها في باب المباح، وعن بعض المبتدعة أنه حجة، واحتج بقوله تعالى {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: ٨] وبقوله تعالى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: ٦٨] أي: ألهمها حتى عرفت مصالحها، فيؤخذ منه مثل ذلك للآدمي بطريق الأَولى، وذكر فيه ظواهر أخرى. ومنه الحديث قوله صلى الله تعالى عليه وسلم "اتقوا فراسة المؤمن". وقوله لوابصة "ما حاك في صدرك فدعْه، وإن أفتوك" فجعل شهادة قلبه حجة مقدمة على الفتوى، وقوله "قد كان في الأمم محدثون" فثبت بهذا أن الإِلهام حق، وأنه وحي باطن، وإنما حُرِمه العاصي لاستيلاء وحي الشيطان عليه.

قال: وحجة أهل السنة الآياتُ الدالة على اعتبار الحجة والحث على التفكر في الآيات، والاعتبار والنظر في الأدلة، وذم الأماني والهواجس والظنون، وهي كثيرة مشهورة، وبأن الخاطر قد يكون من الله، وقد يكون من الشيطان، وقد يكون من النفس، وكل شيء احتمل أن لا يكون حقًا، لم يوصف بأنه حق.

<<  <  ج: ص:  >  >>