قال: والجواب عن قوله {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس: ٨] أن معناه عرفها طريق العلم، وهو الحجج. وأما الوحي إلى النحل فنظيره في الآدمي فيما يتعلق بالصنائع، وما فيه صلاح المعاش. وأما الفراسة فنسلمها, لكن لا نجعل شهادة القلب حجة, لأننا لا نتحقق كونها من الله أو من غيره. قال ابن السمعانيّ: إنكار الإِلهام مردود، ويجوز أن يفعل الله لعبده ما يكرمه به، ولكن التمييز بين الحق والباطل في ذلك أن كل ما استقام على الشريعة المحمدية، ولم يكن في الكتاب والسنة ما يرده، فهو مقبول، وإلا فمردود، يقع من حديث النفس ووسوسة الشيطان. ثم قال: ونحن لا ننكر أن الله يكرم عبده بزيادة نور منه يزداد به نظره، ويقوي به فكره ورأيه، وإنما ننكر أن يرجع إلى قلبه بقول لا يعرف أصله، ولا نزعم أنه حجة شرعية، وإنما هو نور يخص الله به من يشاء من عباده، فإن وافق الشرع، كان الشرع هو الحجة.
ويؤخذ من هذا ما مر التنبيه عليه أن النائم لو رأى النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم، يأمره بشيء هل يجب عليه امتثاله؟ ولابد أولًا أن يعرضه على الشرع الظاهر. والثاني هو المعتمد الحق وقد استوفينا في كتابنا المذكور سابقًا الكلام على هذا المنزع، الذي هو الإِلهام، استيفاء لا يحتاج إلى زيادة. وهذا الحديث حديث جليل أخرجه البخاري عن ثمانية من الصحابة، وروي عن ثلاثين من الصحابة بأسانيد صحاح وحَسِان، وعن نحو خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة، وعن نحو عشرين آخرين بأسانيد ساقطة، بل تحصل من مجموع من جمع طرقه رواية مائة من الصحابة له.
ونقل النووي أنه جاء عن مئتين من الصحابة، ونقل البَيْهَقيّ عن الحاكم، ووافقه، أنه جاء من رواية العشرة المشهورة. قال: وليس في الدنيا حديث أجمع العشرة على روايته غيره. والطرق عنهم موجودة فيما جمعه ابن الجَوْزِيّ في مقدمة كتاب "الموضوعات" ومن بعده، لكن الثابت