مع تواردهما عليها. كما مر في الحديث المذكور. وأما تكذيبه له، فلكونه قال غير الواقع، ولا يلزم منه تعمده.
ويستفاد منه أن للعالم إذا كان عنده علم بشيء، فسمع غيره يذكر فيه شيئًا بغير علم، أن يكذبه، ونظيره قوله، صلى الله تعالى عليه وسلم "كذب أبو السَّنَابِل" أي: أخبر بما هو باطل في نفس الأمر، وقوله "حدثني أبي بن كعب" في استدلاله بذلك دليل على قوة خبر الواحد المتقين عنده، حيث يطلق مثل هذا الكلام في حق من خالفه، وقوله "قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فسُئل" وعند المصنف في التفسير قال: ذكر الناس يومًا حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب، ولى فأدركه رجلٌ. قال في "الفتح": لم أقف على اسمه، وهذا يقتضي أن السؤال عن ذلك وقع بعد أن فرغ من الخطبة، وتوجَّه. وروايه الباب توهم أن ذلك وقع في الخطبة، ويمكن حملها على هذه الرواية بأن تحمل على أن فيها حذفًا تقديره: قام خطيبًا، فخطب، ففرغ، فتوجه، فسئل. والذي يظهر أن السؤال وقع وموسى بعد لم يفارق المجلس، ويؤيده أن في منازعة ابن عباس والحُرّ بن قيس السابقة "بينما موسى في ملأ بني إسرائيل جاءه رجل، فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك ... " الحديث.
وقوله "أي الناس أعلم" أي منهم، على حد "الله أكبر" أي: من كل شيء. وقوله "فقال أنا أعلم" قيل: إن هذه مخالفة لقوله في الرواية السابقة في باب الخروج في طلب العلم "هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: لا" ويمكن أن يقال لا مخالفة بينهما؛ لأن قوله هنا " أنا أعلم" أي فيما أعلم، فيطابق قوله "لا" في جواب من قال له: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ في إسناد ذلك إلى علمه، لا إلى ما في نفس الأمر، لكن قد مر لك أن الرواية السابقة يبقى معها احتمال المساواة، وهذه تقتضي الجزم بالأعلمية له.
وعند النَّسائِيّ: قام موسى خطيبًا، فعرض في نفسه أن أحدًا لم يؤتَ من العلم ما أوتي، وعلم الله بما حدث به نفسه، فقال: "ياموسى، إنَّ من