عبادي من آتيته من العلم ما لم أوتك". وعند عبد الرزاق قال: "ما أجد أعلم بالله وأمره مني". قال ابن المنير: ظن ابن بَطَّال أن ترك موسى الجواب عن هذه المسألة كان أوْلى، قال: وعندي أنه ليس كذلك، بل ردُّ العلم إلى الله تعالى متعين أجاب أو لم يجب، فلو قال موسى عليه السلام: أنا، والله أعلم، لم تحصل المعاتبة، وإنما عوتب على اقتصاره على ذلك؛ لأن الجزم يوهم أنه كذلك في نفس الأمر، وإنما مراده الإخبار بما في علمه كما مر.
وقوله "فعتب الله عليه" العتب من الله تعالى محمولٌ على ما يليق به تعالى، لا على معناه العُرْفيّ في الآدميين، الذي هو تغيير النفس المستحيل عليه تعالى، كنظائره، وقد مر المراد به في الرواية السابقة، وقوله "إذ لم يَرد العلم إليه" إذ تعليلية، أي: فكان يقول: الله أعلم، وفي رواية الكشميهنيّ "إلى الله" ويرد بضم الدال اتباعًا لسابقها، وبفتحها لخفته، وبكسرها على الأصل في الساكن إذا حرك. وجوز الفك أيضًا، وقوله: "فأوحى الله إليه أن عبدًا" أي: بأن، وروي بكسر الهمزة على تقدير "فقال: إن عبدًا" والمراد به الخِضْر. وقوله "بمجَمْع البحرين" أي كائنًا به.
واختلف في مكان مجمع البحرين فروي عن قتادة قال: بحر فارس والروم، وعن السّدِّيّ قال: هما الكَرّ والرَّشن، حيث يصبان في البحر، وقال ابن عطية: مجمع البحرين ذراع في أرض فارس من جهة أذربيجان، يخرج من البحر المحيط من شماليّه إلى جنوبيّه، وطرفيه مما يلي برّ الشام. وقيل: هما بحر الأردن والقُلْزُم. وقال محمد بن كعب القُرَظي: مجمع البحرين بطَنْجَة. وعن ابن المبارك. قال بعضهم: بحر أرمِينيَّة. وعن أُبي بن كعب قال: بإفريقية. أخرجهما ابن أبي حاتم، لكن السند إلى أُبي ضعيف، وأغرب من ذلك ما نقله القرطبيُّ عن ابن عباس قال: المراد بمجمع البحرين اجتماع موسى والخِضر؛ لأنهما بحرا علم، وهذا غير ثابت، ولا يقتضيه اللفظ، وإنما يحسنُ في مناسبة اجتماعهما بهذا المكان المخصوص، كما قال السُّهيليّ: اجتمع البحران بمجمع البحرين.