وقوله "هو أعلم منك" ظاهر في أنّ الخِضر نبيٌّ، بل نبي مرسل، إذ لو لم يكن كذلك للزم تفضيل العالي على الأعلى، ولهذا أورد الزَّمخشرِيُّ سؤالاً، وهو دلت حاجة موسى إلى التعليم من غيره، أنه موسى بن مِيشا، كما قيل، إذ النبيُّ يجب أن يكون أعلم أهل زمانه، وأجاب بأنه لا نقص بالنبيّ في أخذ العلم من نبي مثله. قيل: وفي الجواب نظر؛ لأنه يستلزم نفي ما أُوجب، والحق أن المراد بهذا الإطلاق تقييد الأعلمية بأمر مخصوص، لقوله بعد هذا "إني على علمٍ من علم الله عَلْمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علَّمَكَه الله لا أعلمه" والمراد يكون النبي أعلم أهل زمانه، أي: ممن أرسل إليه، ولم يكن موسى مرسلًا إلى الخضر، وإذًا فلا نقص به إذا كان الخضر أعلم منه، إن قلنا إنه نبيُّ مرسل، أو أعلم منه في أمر مخصوص إن قلنا إنه نبيٌّ أو وَلِيٌّ وينحل بهذا التقرير إشكالات كثيرة.
ومن أوضح ما يستدل به على نبوة الخِضر قوله {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}[الكهف: ٨٢] وينبغي اعتقاد كونه نبيًا لئلا تتذرع بذلك أهل الباطل في دعواهم أن الولي أفضل من النبي، حاشا وكلا. وتعقب ابن المنير على ابن بطّال إيراده في هذا الموضع كثيراً من أقوال السلف في التحذير من الدعوى في العلم، والحث على قول العالم "لا أدري"، بأن سياق مثل ذلك في هذا الموضع غير لائق. وهو كما قال رحمه الله تعالى. قال: وليس قول موسى عليه السلام "أنا أعلم" كقول آحاد الناس مثل ذلك، ولا نتيجة قوله كنتيجة قولهم، فإن نتيجة قولهم العجب والكبر، ونتيجة قوله المزيد من العلم، والحث على التواضع، والحرص على طلب العلم. واستدلاله به أيضاً على أنه لا يجوز الاعتراض بالعقل على الشرع خطأٌ؛ لأن موسى إنما اعترض بظاهر الشرع لا بالعقل المجرد، ففيه حجة على صحة الاعتراض بالشرع على ما لا يسوغ فيه، ولو كان مستقيمًا في باطن الأمر.
وقوله "قال ربِّ" بحذف أداة النداء وياء المتكلم، تخفيفًا جتزاءًا بالكسرة، وفي رواية "يارب". وقوله "وكيف لي به" أي: كيف السبيل إلى