قلت: لم أفهم ما قاله من كونه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر، فمن أي وجه عدم الصحة؟ من اللفظ؟ فاللفظ ممكن، أو من جهة المعنى، فالمعنى غير محقق حتى يحكم عليه بعدم الصحة.
وقد أمسك كثير من السلف عن الخوض فيها، فممن رأى الإمساك عن ذلك أستاذ الطائفة أبو القاسم الجُنَيد، فقال فيما نقله في "عوارف المعارف" عنه، بعد أن نقل كلام الناس في الروح: وكان الأولى الإمساك عن ذلك، والتأدب بادب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. ثم نقل عن الجنيد أنه قال: الروح استأثر الله تعالى بعلمه، ولم يطلع عليه أحداً من خلقه، فلا تجوز العبارة عنه بأكثر من موجود وعلى ذلك جرى ابن عطية وجمع من أهل التفسير.
وأجاب من خاض في ذلك بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز وتغليط، لكونه يطلق على أشياء، فأضمروا بأنه بأي شيء أجاب، قالوا: ليس هذا المراد، فرد الله تعالى كيدهم، وأجابهم جوابًا مجملًا مطابقًا لسؤالهم المجمل. وقال السَّهْروردي في "العوارف": يجوز أن يكون من خاض فيها، سلك سبيل التأويل لا التفسير، إذ لا يسوغ التفسير إلا نقلا، وأما التأويل فتمتد العقول إليه بالباع الطويل، وهو ذكر ما لا يحتمل إلا به من غير قطع، بأنه المراد، فمن ثم يكون القول فيه.
قال: وظاهر الآية المنعُ من القول فيها، لختم الآية بقوله {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: ٨٥] أي اجعلوا حكم الروح من الكثير الذي لم تؤتوه، فلا تسألوا عنه، فإنه من الأسرار. وقال بعضهم: ليس في الآية دلالة على أن الله لم يطلع نبيه على حقيقة الروح، بل يحتمل أن يكون أطلعه، ولم يأمره أنه يطلعهم، وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا، وقد خالف الجُنَيد ومن تبعه من الأئمة جماعةً من متأخري الصوفية، فأكثروا من القول في الروح، وصرح بعضهم بمعرفة حقيقتها، وعاب من أمسك عنها. ونقل ابن مَنْده في كتاب الروح له، عن محمد بن نصر المَرْوَزِي