ووقع إطلاق روح الله على عيسى، وقد روى ابن إسحاق في تفسيره بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: الروح من الله، وخلق من خلق الله، وصور كبني آدم، لا ينزل ملك إلا ومعه واحد من الروح. وثبت عن ابن عباس أنه كان لا يفسر الروح، أي لا يعين المراد به في الآية، وقد مر ما قيل في الروح المسؤول عنه من الاختلاف، وقيل: الروح ملَكٌ يقوم وحَدْه صفًا يوم القيامة، وقيل: ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه. وقيل: ملك له سبعون ألف لسان، وقيل: له سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان ألف لغة، يسبح الله تعالى، يخلق الله بكل تسبيحة ملكًا يطير مع الملائكة. وقيل: ملك رجلاه في الأرض السفلى، ورأسه عند قائمة العرش. وقيل: خلق كخلق بني آدم، يقال لهم الروح، يأكلون ويشربون، لا ينزل ملك من السماء، إلا نزل معه واحد منهم. وقيل: بل هم صنف من الملائكة يأكلون ويشربون.
وقد اختلف في حقيقة الروح التي بها حياة البدن من ادَّعى معرفة حقيقتها اختلافًا كثيرًا متباينًا، فقيل هي النَّفس الداخل والخارج، وقيل الحياة، وقيل: جسم لطيف يحل في جميع البدن، وقيل: هي الدم، وقيل: هي عرض، حتى قيل إن الأقول فيها بلغت مئة. ونقل ابن مَنْده عن بعض المتكلمين أن لكل نبي خمسة أرواح، ولكل مؤمن ثلاثة، ولكل حي واحدة. وقال ابن العربيّ. اختلفوا في الروح والنفس، فقيل متغايران، وهو الحق، وقيل هما شيء واحد، وقد يعبر بالروح عن النفس وبالعكس، كما يعبر عن الروح والنفس بالقلب وبالعكس، وقد يعبر بالروح عن الحياة، حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء، بل إلى الجماد مجازًا.
وقال السهيليّ: يدل على مغايرة الروح والنفس. وقوله تعالى {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}[الحجر: ٢٩] وقوله تعالى {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦] فإنه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر، ولولا التغاير لساغ ذلك.