الروح من فعل ربي، إن كان السؤال هل هي قديمة أو حادثة، فيكون الجواب أنها حادثة. وقال الإسماعيلى: المراد أن الروح من جملة أمر الله، وأن الله اختص بعلمه، ولا سؤال لأحد عنه، وقال ابن القيم: ليس المراد هنا بالأمر الطلب اتفاقًا، وإنما المراد به المأمور، والأمر يطلق على المأمور، كالخلق على المخلوق، ومنه {لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ}[هود: ١٠١] وقال ابن بطّال: معرفة حقيقة الروح مما استأثر الله بعلمه، بدليل هذا الخبر، قال: والحكمة في إبهامه اختبار الخلق، ليُعرِّفَهُم عجزهم عن علم ما لا يدركونه حتى يضطرهم إلى رد العلم إليه.
وقال القرطبيُّ: الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء؛ لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده، كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق من باب الأولى، وقيل: المراد بقوله "من أمر ربي" كون الروح من عالم الأمر الذي هو عالم الملكوت، لا عالم الخلق الذي هو عالم الغيب والشهادة. ووقع في بعض التفاسير أن الحكمة في سؤال اليهود عن الروح، أن عندهم في التوراة، أن روح بني آدم لا يعلمها إلا الله، فقالوا نسأله، فإن فسرها فهو نبيَّ، وهو معنى قولهم "لا يجيء بشيء تكرهونه" وروى الطبريُّ في هذه القصة: فنزلت الآية، فقالوا: هكذا نجده عندنا. ورجاله ثقات، إلا أنه سقط من الإِسناد علقمة.
وقد اجتمع من كلام أهل التفسير في معنى لفظ الروح الوارد في القرآن لا خصوص هذه الآية، أقوالٌ كثيرةٌ، فمن الذي في القرآن {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}[الشعراء: ١٩٣]{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}[الشورى: ٥٢]{يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ}[غافر: ١٥]{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}[المجادلة: ٢٢]{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا}[النبأ: ٣٨]{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}[القدر: ٤]. فالأول جبريل، والثاني القرآن. والثالث الوحي، والرابع القوة، والخامس والسادس محتمل لجبريل ولغيره.