شيء موجود، مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها، فهو جوهر بسيط مجرد، ولا يحدث إلا بمحدث، وهو قوله تعالى {كُنَّ}[البقرة: ٢٢٨]، فكأنه قال: هي موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه، ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه.
وجنح ابن القيِّم في "كتاب الروح" إلى ترجيح أن المراد بالروح المسؤول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا}[النبأ: ٣٨]، قال: وأما أرواح بني آدم، فلم تقع تسميتها في القرآن إلا نفسًا، كذا قال، وفيه نظر، إذ لا دلالة في ذلك لما رجحه، بل الراجح الأول، فقد أخرج الطبري عن ابن عباس في هذه القصة أنهم قالوا عن الروح: وكيف يعذب الروح الذي في الجسد وإنما الروح من الله؟ فنزلت الآية.
وقيل: سألوه عن جبريل، وقيل: عن عيسى، وقد مر ما قاله القرطبيُّ في ذلك، وقوله "فقلت إنه يوحى إليه فقمت" أي: حتى لا أكون مشوشاً عليه، أو فقمت حائلًا بينه وبينهم. وفي رواية التفسير "فقمت مقامي" وفي الاعتصام "فتأخرت عنه". وقوله "فلما انجلى عنه" أي: انكشف عنه عليه الصلاة والسلام الكرب الذي كان يتغشاه حال الوحي. وقوله "فقال"، وفي رواية الأربعة "قال". وقوله "ويسألونك" بإثبات الواو، كالتنزيل. وفي رواية أبي ذَرّ والأصيليّ وابن عساكر "يسألونك" بحذف الواو. وقوله "قل الروح من أمر ربي". أي من الإبداعيات الكائنة "بكن" من غير مادة، وتولد من أصل واقتصر على هذا الجواب، كما اقتصر موسى عليه السلام في جواب {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء: ٢٣] بذكر بعض صفانه، إذ الروح لدقته، لا تمكن معرفة ذاته، إلا بعوارض تميزه عما يلتبس، فلذلك اقتصر على هذا الجواب، ولم يبين الماهية لكونها مما استأثر الله بعلمها، ولأن في عدم بيانها تصديقاً لنبوة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقوله "من أمر ربي" قال الفخر: يحتمل أن يكون المراد بالأمر الفعل، كقوله {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}[هود: ٩٧] أي فعله، فيكون الجواب