افتقر، أي لصق بالتراب، وأترب إذا استغنى، وهي كلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر بها، كما يقولون: قاتله الله. وقيل: معناه لله دره، وقال عياض: هذا خطاب على عادة العرب في استعمال هذه الألفاظ، عند الإنكار للشيء، والتأنيس، أو الإِعجاب أو الاستعظام، لا يريدون معناها الأصليّ، وكثيرًا ما يرد للعرب ألفاظ ظاهرها الذم، وإنما يريدون بها المدح كقولهم: لا أب لك، ولا أم لك، وهوت أمه، ولا أرض لك. قال الهروِيّ: ومنه قوله في حديث خزيمة "أنعم صباحًا تربت يداك" فأراد الدعاء له، ولم يرد الدعاء عليه.
وقوله "فبم يُشْبهها ولدها" أصله "فبما" فحذفت الألف. يُشبهها: فعل ومفعول، وولدها فاعل، والضمير يرجع إلى المرأة. وفي رواية عند المصنف في الهجرة "فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد" أي جذبته إليها. وعند مسلم عن عائشة "إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله". ونحوه للبزّار عن ابن مسعود وفيه "ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان الشبه له" والمراد بالعلو هنا السبق، لأن كل من سبق، فقد علا شأنه، فهو علو معنوي. وأما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان رفعه "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله" فهو مشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل، ويكون ذكرًا لا أنثى، وعكسه والمشاهد خلاف ذلك؛ لأنه قد يكون ذكراً ويشبه أخواله لا أعمامه، وعكسه.
قال القرطبيُّ: يتعين تأويل حديث ثوبان بان المراد بالعلو السبق. قال في "الفتح": والذي يظهر ما قدمته وهو تأويل العلو في حديث عائشة بالسبق. وأما حديث ثوبان فيبقى العلو فيه على ظاهره، فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث، والعلو علامة الشبه، فيرتفع الإشكال، كذا قال.