للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم في قول من قال: إن هذا من أسلوب الحكيم، بأنه كان يمكن الجواب بما يحصر أنواع ما لا يُلْبَس، كأن يقال: ما ليس بمخيط، ولا على قدر البدن، كالقميص، أو بعضه كالسراويل، أو الخف، ولا يستر الرأس أصلًا، ولا يلبس ما مسه طيب، كالورس والزعفران. وفي هذا الاعتراض نظر؛ لأن إمكان الحصر لا يمنع من أسلوب الحكيم، فإن أسلوب الحكيم إنما هو لكون المعدول إليه أهم من المسؤول عنه. وفي هذا الجواب العدول إلى ما هو الأهم، وهو ما يحرم لبسه، ويوجب الفدية، وهذا كله بناء على الرواية المشهورة عن نافع وسالم.

وقد رواه أبو عُوانة عن ابن جُريج عن نافع بلفظ "ما يترك المُحْرم" وهي شاذة، والاختلاف فيها على ابن جُرَيج لا على نافع، ورواه سالم عن ابن عمر بلفظ "إن رجلًا قال ما يجتنب المحرم من الثياب" أخرجه أحمد وابن خزيمة وأبو عُوانة في صحيحيهما عن معمر عن الزُّهْريّ عنه وأخرجه أحمد عن ابن عُيينة عن الزُّهري. قال مرة ما يترك؟ ومرة ما يلبس؟ وأخرجه المؤلف في أواخر الحج عن الزُّهري بلفظ نافع، فالاختلاف فيه على الزُّهري يُشْعر بأن بعضهم رواه بالمعنى، فاستقامت رواية نافع لعدم الاختلاف فيها، واتجه البحث المتقدم.

وقوله "ولا ثوبًا مسه الورس أو الزعفران" الورس، بفتح الواو وسكون الراء بعدها مهملة، نبت أصفر طيِّب الريح يصيبغ به، قال ابن العربي: ليس الورس بطيب، ولكنه نبه به على اجتناب الطِّيب وما يشبهه في ملاءمته الشم، فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم. والزعفران، بفتح الزاي والفاء، اسم أعجمي، وقد صرفته العرب، فقالوا: ثوب مُزَعْفر، وقد زَعْفَر ثوبه. قال أبو حنيفة الدِّيْنَوريّ: لا أعمله ينبت بشيء من أرض العرب، وفي كتاب المفضل بن سلمة أن الكُرْكُمَ عروق الزَّعفران. وقال مُؤرّج يقال لورق الزعفران الفَيْد، ومنه يسمى مورج أبا فَيد. واستدل بقوله "مسه" على تحريم ما صبغ كله، أو بعضه، ولو خفيت رائحته.

<<  <  ج: ص:  >  >>