للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هيئة الحامل لحاجته لا يضر على مذهبه، ومما لا يضر أيضًا الانغماس في الماء، فإنه لا يسمى لابسًا، وكذا سَتْر الرأس باليد.

وقال النَووِيّ: قال العلماء: هذا الجواب من بديع الكلام، وجزله، لأن مالا يلبس منحصرٌ، فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر، فقال: لا يلبس كذا، أي: ويلبس ما سواه، وقال البَيْضاويّ: سُئِل عما يُلْبَس، فأجاب بما لا يلبس , ليدل بالالتزام من طريق المفهوم علي ما يجوز، وإنما عَدَل عن الجواب لأنه أخصر وأحصر، ونكتة العدول أيضًا هي أن السائل سأل عما يلبس، فأجيب بما لا يلبس، إذا الأصل الإباحة، ولو عدد له ما يلبس لطال به، بل كان يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه، فيظن اختصاصه بالمحرم، وأيضاً المقصود ما يحرم لبسه، لا يحل له لبسه, لأنه لا يجب له لباس مخصوص، بل عليه أن يجتنب شيئًا مخصوصًا.

قال البيضاوي وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس، لأنه الحكم العارض بالإحرام المحتاج لبيانه، إذ الجواز ثابت بالأصل، معلوم بالاستصحاب، فكان الأَليق السؤال عما لا يلبس، وقال غيره: هذا يشبه أسلوب الحكيم، ويقرب منه قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: ٢١٥] الآية: فعدل عن جنس المنفَق. وهو المسؤول عنه، إلى ذكر المنفق عليه, لأنه الأهم.

وقال بعضهم: يؤخذ منه أن المفتي إذا سئل عن واقعة، واحتمل عنده أن يكون السائل يتذرع بجوابه إلى أن يعديه إلى غير محل السؤال، تعين عليه أن يفصل الجواب، ولهذا قال: فإن لم يجد نعلين، فكأنه سأل عن حالة الاختيار، فأجابه عنها، وزاده حالة الاضطرار، وليست أجنبيته عن السؤال؛ لأن حالة السفر تقتضي ذلك.

وقال ابن دقيق العيد: يستفاد منه أن المعتبر في الجواب، ما يحصل منه المقصود، كيف كان، ولو بتغيير أو زيادة، ولا تشترط المطابقة. وطعن

<<  <  ج: ص:  >  >>