حق غيره على الندب. وقال بعضهم: كان على الإيجاب ثم نسخ فصار مندوبًا، ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن حَنْظلة الأنصاري: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمره بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شقَّ عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث. ولمسلم من حديث بُرَيْدة: كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: إنّك فعلت شيئًا لم تكن تفعله! فقال: "عمدًا فعلته".
واختلف العلماء أيضًا في موجب الوضوء فقيل: يجب بالحدث وجوبًا موسّعًا، وقيل: به وبالقيام إلى الصلاة معًا، ورجحه جماعة من الشافعية. وقيل: بالقيام إلى الصلاة حسب، ويدل له ما رواه أصحاب "السنن" من حديث ابن عبّاس عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "إنما أُمِرت بالوضوء إذا قمتُ إلى الصلاة".
واستنبط بعض العلماء من قوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} إيجاب النية في الوضوء, لأن التقدير إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها، ومنه قولهم: إذا رأيت الأمير فقم، أي: لأجله.
وتمسك بهذه الآية مَنْ قال: إن الوضوء أول ما فُرض بالمدينة، فأما ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غُسل الجنابة إنما فُرض علي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو بمكة كما فرضت الصلاة، وأنه لم يصلِّ قط إلا بوضوء، قال: وهذا مما لا يجهله عالم. وقال الحاكم في "المستدرك": وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الردِّ على مَنْ زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة، ثم ساق حديث ابن عباس: دخلت فاطمة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهي تبكي، فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتُلوك، فقال:"إيتوني بوضوء، فتوضأ ... الحديث"، وهذا يصلح ردًّا على مَنْ أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، لا على مَنْ أنكر وجوبه حينئذ. وقد جزم ابن الجهم المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوبًا، وجزم ابن حزم بأنه لم يشرع إلاَّ