بالمدينة. ورُدَّ عليهما بما أخرجه ابن لَهِيعة عن عُروة أن جبريل علّم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي. وهو مرسل، ووصله أحمد من طريق ابن لَهِيعة أيضًا، لكن قال: عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه. وأخرجه ابن ماجه من رواية رِشْدين بن سعد، عن عقيل، عن الزُّهري نحوه، لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" عن اللَّيْث، عن عقيل موصولًا، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح، لكن المعروف رواية ابن لَهِيعة.
قلت: الحديث لو صح لم تكن فيه حجة على وجوب الوضوء قبل الهجرة، لأنه ليس فيه إلا أن جبريل عليه السلام علّمه للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولم يذكر له وجوبًا ولا غيره.
وقد افتتح المؤلف رحمه الله الباب بهذه الآية للتبرك، أو لأصالتها في استنباط مسائله، وإن كان حق الدليل أن يؤخَّر عن المدلول, لأن الأصل في الدعوى تقديم المدّعى، والمراد بالوضوء ذكر أحكامه وشرائطه وصفته ومقدماته.
وقوله تعالى:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} المرافق داخلة في الغسل، دل على دخولها في الإجماع كما قال الشافعي في الأم، وفعله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم أن أبا هريرة توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى حتى أشرع في العضد ... الحديث. وفيه: ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يتوضأ.
فثبت غسله عليه الصلاة والسلام لها، وفعله بيان للوضوء المأمور به، ولم يُنقل تركه ذلك، ودل عليه الآية بجعل اليد إلى الكوع مجازًا إلى المرفق، مع جعل إلى للغاية الداخلة هنا في المغيّا، أو للمعية كما في {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}[آل عمران: ٥٢]، أو يجعل اليد باقية على حقيقتها إلى المنكب، مع جعل إلى غاية للغسل أو للترك المقدر كما قال بكل منهما جماعة، فعلى الأول