منهما تدخل الغاية لا لكونها إذا كانت من جنس ما قبلها تدخل كما قيل، لعدم اطّراده كما قال التَّفْتزانيّ وغيره، فإنها قد تدخل كما في: قرأت القرآن إلى آخره، وقد لا تدخل كما في: قرأت القرآن إلى سورة كذا، بل لقرينتي الإجماع والاحتياط للعبادة. قال المتولّي: بناء على أنها حقيقة إلى المنكب، لو اقتصر على قوله:{وَأَيْدِيَكُمْ} لوجب غسل الجميع، فلما قال: إلى المرافق أخرج البعض عن الوجوب، فما تحققنا خروجه تركنا، وما شككنا فيه أوجبناه احتياطًا للعبادة، والمعنى: اغسلوا أيديكم من رؤوس أصابعها إلى المرافق، وعلى الثاني تخرج الغاية، والمعنى اغسلوا أيديكم واتركوا منها إلى المرافق.
وقوله تعالى:{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} بجرِّ أرجلكم ونصبها، والكعبان هما العظمان الناتئان .. أي: البارزان بمفصلي الساقين، وهما داخلان في غسل الرجلين، ويُقال فيهما ما قيل في المرفقين.
قال أبو عبد الله: وبيِّن النبي صلي الله تعالى عليه وسلم أن فرضَ الوضوءِ مرةٌ مرةٌ، وتوضَّأ أيضًا مرتينِ مرتينِ وثلاثًا ثلاثًا، ولم يزِدْ على ثلاثٍ.
و"مرة مرة" بالرفع على الخبرية، ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق، أي: فرض الوضوء غسل الأعضاء غسلًا مرة مرة، أو على الحال السادّة مسد الخبر، أي: يفعل مرة، أو على لغة من ينصب الجزأين بأنَّ. وأعاد لفظ مرة لإرادة التفصيل، أي: الوجه مرة، واليد مرة إلخ. والبيان المذكور يحتمل أن يشير به إلى ما رواه بعد عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم توضأ مرة مرة. وهو بيان بالفعل لمجمل الآية، إذ الأمر يفيد طلب إيجاد الحقيقة، ولا يتعين بعدد، فبيَّن الشارع أن المرة الواحدة للإيجاب، وما زاد عليها للاستحباب، وستأتي الأحاديث على ذلك فيما بعد. وأما حديث أُبيّ بن كعْب أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة، وقال:"هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاَّ به" ففيه بيان الفعل والقول معًا، لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه، وله طرق أخرى كلها ضعيفة.