وقوله:"فُساء أو ضُراط" الأول بضم الفاء والمد، والثاني بضمِّ الضاد، وهما يشتركان في كونهما ريحًا خارجًا من الدُّبر، لكن الثاني مع صوت، وقد مرَّ قريبًا وجه تخصيص أبي هريرة لهذين النوعين.
وقد جعل في الحديث الوضوء رافعًا للحديث، فلا يعني بالحدث الخارج المعتاد، ولا نفس الخروج, لأن الواقع لا يرتفع، فلم يبق أن يعني إلا المنع المرتب على الأعضاء كلاًّ كالأكبر، أو بعضًا كالأصغر، أو الوصف الذي هو الصفة الحكيمة إلى آخر ما مرَّ أول الكتاب.
وقد قال عياض: إن الحديث نصٌ في وجوب الطهارة. وتعقبه الأُلِّيُّ بأن الحديث إنما فيه أنها شرط في القبول، والقبول أخص من الصحة، وشرط الأخص لا يكون شرطًا في الأعم، وإنما كان القبول أخص لأنه حصول الثواب على الفعل، والصحة وقوع الفعل مطابقًا للأمر، فكل مُتَقَبَّلٍ صحيحٌ دون العكس، والذي ينتفي بانتفاء الشرط الذي هو الطهارة القبول لا الصحة، وإذا لم تنتف الصحة لم يتم الاستدلال بالحديث، والفقهاء يحتجون به وفيه من البحث ما سمعت، فإن قلت: إذا فُسِّرت الصحة بأنها وقوع الفعل مطابقًا للأمر، فالقواعد تُدل على أن الفعل إذا وقع مطابقًا للأمر كان سببًا في حصول الثواب. قلت: غرضنا إبطال التمسك بالحديث من قبل الشرطية، وقد اتضح، ثم نمنع أنها سبب في حصول الثواب, لأن الأعم ليس سببًا في حصول أخصه المعين.
ويجاب بما مر من أن المراد بالقبول هنا ما يُرادف الصحة، وهو الإجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزِئَةً رافعةً لما في الذمة، فعبر بالقبول عن الصحة مجازًا, لأن الغرض من الصحة مطابقة العبادة للأمر، وإذا حصل ذلك ترتب عليه القَبول، وإذا انتفى القبول انتفت الصحة لما قام من الأدلة على كون القبول من لوازمها، فإذا انتفى انتفت.