وقوله:"غُرًّا" -بضم المعجمة وتشديد الراء- جمع أغرَّ أي: ذو غرة، وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استُعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم. و"غرَّا" منصوب على المفعولية ليُدعون، أو على الحال، أي: إنهم إذا دُعوا على رؤوس الأشهاد نُودوا بهذا الوصف، وكانوا على هذه الصفة.
وقوله:"محجَّلين" -بالمهملة والجيم- من التحجيل، وهو بياض يكون في قوائم الفرس، أو في ثلاث منها، وأصله من الحِجْل -بكسر المهملة- وهو الخلخال، والمراد به هنا أيضًا النور.
فإن قيل: الغرة والتحجيل في الآخرة صفات لازمة غير منتقلة، فكيف يكونان حالين؟ أجيب: بان الحال تكون منتقلة أو في حكم المنتقلة إذا كانت وصفًا ثابتًا مؤكدًا، كقوله تعالى:{وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا}[البقرة: ٩١]، ومنه:"خلق الله الزرافة يديها أطولَ من رجليها" فأطول حال لازمة غير منتقلة، لكنّها في حكم المنتقلة, لأن المعلوم من سائر الحيوانات استواء القوائم الأربع، فلا يخبر بهذا الأمر إلا من يعرفه، وكذلك هنا المعلوم في سائر الخلق عدم الغرة والتحجيل، فلما جعل الله ذلك لهذه الأمة دون سائر الأمم، صارت في حكم المنتقلة بهذا المعنى.
وأخصر من هذا أن كون الحال منتقلة وصف غالب لا لازم كما قال ابن مالك.
ويُحتمل أن تكون هذه علامة لهم في الموقف وعند الحوض، ثم تنتقل عنهم عند دخولهم الجنة، فتكون منتقلة بهذا المعنى.
وقوله "من آثار الوضوء" أي: لأجل، أو: من سببية، أي: بسبب آثار الوضوء ومثله قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا}[نوح: ٢٥]، أي: بسبب خطاياهم أُغرِقوا، وحرف الجر متعلق بمحَجَّلينَ، أو بيدعوَن على الخلاف في التنازع بين البصريين والكوفيين. و"الوُضوء" بضم الواو ويجوز فتحها، فإن الغرة