للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحجيل نشأ عن الفعل بالماء، فيجوز أن يُنسب إلى كل منهما.

واستدل الحُلَيْميُّ بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، وفيه نظر لما أخرجه المصنف في قصة سارة رضي الله تعالى عنها مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة "لما همَّ الملِكُ بالدنوِّ منها قامت تتوضّأُ وتصلّي"، وفي قصة جُرَيْج الراهب أيضًا أنه "قام فتوضأ وصلّى ثم كلَّم الغلام"، فالظاهر أن الذي اختُصَّت به هذه الأمة هو الغُرة والتحجيل لا أصل الوضوء. وقد صُرِّح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة مرفوعًا، قال: "سِيْما ليست لأحدٍ غيرِكم" وله من حديث حذيفة نحوه، وسِيْما -بكسر المهملة وإسكان الياء الأخيرة- أي: علامة. واعترض بعضهم على الحُلَيْمي بحديث: "هذا وُضوئي ووضوءُ الأنبياءِ قبلي" وهو حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لضعفه، ولاحتمال أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون أممهم إلا هذه الأمة.

وقوله: "فمن استطاعَ منكم أن يطيلَ غرَّتَهُ فلْيفعلْ" أي: فليُطِلِ الغرة والتحجيل، واقتصر على إحداهما لدلالتها على الأخرى، نحو: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ٨١]، أي والبرد، واقتصر على ذكر الغرة وهي مؤنئة دون التحجيل وهو مذكر, لأن محل الغرة أشرف أعضاء الوضوء وأول ما يقع عليه النظر من الإنسان، على أن في رواية مسلم ذكر الأمرين، ولفظه: "فلْيطلْ غرتَه وتحجيلَه". ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تُطلق على كلٍّ من الغرة والتحجيل. وقال ابن بطّال: كنّى أبو هريرة بالغُرة عن التحجيل لأن الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله. وفيما قاله نظر, لأنه يستلزم قلب اللغة، وما نفاه ممنوعٌ؛ لأن الإطالة ممكنة في الوجه بأن يغسِلَ إلى صفحة العنق مثلًا، قاله في "الفتح".

قلت: وفيه عجب, لأنه نقل عن الرافعي الذي هو على مذهبه أن الغرة تطلق على كلٍّ من الغرة والتحجيل ولم يعترض عليه، ولما قال ابن بطّال ما قاله الرافعي، قال: إن فيه قلب اللغة. ومراد ابن بطّال أن الزيادة في غير الوجه من أعضاء الوضوء زيادة في العضو الذي أمر الشارع بغسله لإطلاق اليد إلى الإبط،

<<  <  ج: ص:  >  >>