صرح باللفظ لا بالتفسير، والخلاف بيننا إنما هو في تفسير اللفظ لا في اللفظ، ويأتي قريبًا إن شاء الله تعالى ما في اللفظ.
وادّعى ابن بطّال وعِياض وابن التّين اتِّفاق العلماء على عدم استحباب الزيادة على المرفق والكعب، واستدلّوا بحديث "مَنْ زاد على هذا فقد أساء وظلم".
ورد عليهم في "الفتح" منتصرًا لمذهبه بأن ما قالوه معتَرضٌ من وجوه: فرواية مسلم صريحة في الاستحباب، فلا تعارض بالاحتمال. وبأن دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك مردودة بما مر عن ابن عُمر، وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية، والحديث إنما هو في الزيادة في عدد المرات أو النقص عن الواجب.
وما قاله فيه اعتراض, لأن رواية مسلم التي قال صريحة في الاستحباب، ليس فيها تصريح بتفسير الغرة والتحجيل واستحبابهما، فهي كرواية البخاري في قبول التأويل. ومرادهم بالعلماء المتفِّقين على خلاف أبي هُريرة الصحابة، يعنون أنهم لم يرفعوا هذه الزيادة، وابن عمر لم يرفعها، وإنما رُويت عنه من فعله، وفعله لا يجب على مجتهد اتِّباعه كما هو معلوم، واستدلالهم بالحديث في غاية الإيضاح؛ لأنه إذا كانت الزيادة على ما حدَّه الشارع من المستحبّات مكروهة، فأحرى أن تكون في المحدودات الواجبة أشد كراهة، وهذا بديهي، فالله تعالى قال:{إِلَى الْمَرَافِقِ}، و {إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، وقال:{وُجُوهَكُمْ}. وكون الزيادة لم ترو عن أحد من الصحابة إلا عن أبي هُريرة في رواية نُعيم عنه خاصة صرح به في "فتح الباري" فقال: ظاهره أن قوله: "مَنْ استطاع منكم .. إلى آخر" بقية الحديث، لكن رواه أحمد عن نُعيم، وفي آخره: قال نُعيم: لا أدري قوله: "مَنْ استطاع منكم ... إلخ" من قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو من قول أبي هُريرة، قال: ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة، وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هُريرة غير رواية نعيم هذه.