وقوله:"أو يجدَ ريحًا" أو للتنويع، وعبر بالوجدان دون الشم ليشمل ما لو لمس المحل ثم شمَّ يده.
والمراد تحقق وجودهما، حتى إنه لو كان أخشم لا يشم، أو أصم لا يسمع كان الحكم كذلك.
وذكرهما ليس لقصر الحكم عليهما، فكل حدث كذلك، إلا أنه وقع جوابًا لسؤال، والمعنى: إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى، وهذا كحديث:"إذا استهل الصبي ورِثَ وصُلِّي عليه" إذ لم يرد تخصيص الاستهلال دون غيره من إمارات الحياة كالحركة والنبض ونحوهما.
قال النووي: هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على أصولها حتى يتحقق خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارىء عليها، وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء. ورُوي عن مالك النقض مطلقًا، يعني: بالشك في الحدث. وروي عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها، وقد مرَّ قريبًا ما في ذلك. وروي هذا التفصيل عن الحسن البَصْري، والأول مشهور مذهب مالك، قاله القُرْطبي، وهو رواية ابن القسام عنه.
قلت: التفصيل هو المشهور عند المالكية.
وروى ابن نافع عنه: لا وضوء عليه مطلقًا. كقول الجمهور. وروى ابن وهب عنه: أحب إليَّ أن يتوضأ. ورواية التفصيل لم تثبت عنه، وإنما هي لأصحابه.
قلت: بل هي مروية عنه، وعن ابن القاسم كما مر.
وحمل بعضهم الحديث على مَنْ كان به وسواس، وتمسك بأن الشكوى لا تكون إلا عن علة، وأجيب بما دل على التعميم، وهو حديث أبي هُريرة عند مسلم، ولفظه:"إذا وجدَ أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخَرَجَ منه شيء أم لا فلا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". وقوله:"فلا يخرجن من المسجدِ" أي: من الصلاة، وصرح بذلك أبو داود في روايته.