والقصة الثانية بعد ذلك بدهرٍ طويل، لما شاخ إبراهيم، واستُبْعِدَ من مثله أن يجيء له الولد، وجاءته الملائكة عندما أُمروا بإهلاك قوم لوط، فبشروه بإسحاق، فتعين أن يكون الأول إسماعيل، ويؤيده أن في التوراة أن إسماعيل بكره، وأنه ولد قبل إسحاق.
قال في "الفتح": وهو استدلال جيد، وقد كنت أستحسنه وأحتجُّ به إلى أن مرَّ بي قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}[إبراهيم: ٣٩]، فإنه يعكر على قوله: إنه رُزق إسماعيل في ابتداء أمره، وقوته، لأن هاجر والدة إسماعيل صارت لسارة من قِبَلِ الجبّار الذي وهبها لها، وإنها وهبتها لإبراهيم لما يئست من الولد، فولدت هاجر إسماعيل، فغارت سارة منها كما يأتي في ترجمة إبراهيم في أحاديث الأنبياء، وولدت بعد ذلك إسحاق، واستمرت غيرة سارة إلى أن كان من إخراجها وولدها إلى مكة ما كان. وقد ذكره ابن إسحاق في "المبتدأ" مفصلًا.
وأخرج الطبريُّ عن السُّدِّيِّ قال: انطلق إبراهيم من بلاد قومه قِبَلَ الشام، فلقي سارة وهي بنت ملك حَرّان، فآمنت به، فتزوجها، فلما قدم مصر وهبها الجبار هاجر، ووهبتها له سارة، وكانت سارة مُنعت الولد، وكان إبراهيم قد دعا الله تعالى أن يهب له ولدًا من الصالحين، فأُخِّرت الدعوة حتى كبر، فلما علمت سارة أن إبراهيم وقع على هاجر حزنت على ما فاتها من الولد، ثم ذكر قصة مجيء الملائكة بسبب إهلاك قوم لوط وتبشيرهم إبراهيم بإسحاق، فلذلك قال إبراهيم: الحمد لله الذي وهب لي على الكِبَر إسماعيل وإسحاق. ويقال: لم يكن بينهما إلا ثلاث سنين، وقيل: كان بينهما أربع عشرة سنة.
قلت: وفي كثير من المفسرين أن إسماعيل وُلد ولإبراهيم تسع وتسعون سنة، وولد إسحاق وله مئة واثنتا عثرة سنة.
وما ثبت من كون قصة الذبيح كانت بمكة حجة قوية في أن الذبيح