قاله نظر, لأنه لا مانع أن يقول له ذلك لاحتمال أن يكون مراده: أتريد الصلاة، فلم لم تتوضأ وضوءها؟ وجوابه بأن "الصلاة أمامك" معناه أن المغرب لا تُصلّى هنا، فلا يحتاج إلى وضوء الصلاة. وكانَّ أسامة ظن أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نسي صلاة المغرب، ورأى وقتها قد كاد أن يخرج أو خرج، فأعلمه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنها في تلك الليلة يُشرع تأخيرها لتجمع مع العشاء بالمُزْدَلِفَة، ولم يكن أسامة يعرف تلك السُنّة قبل ذلك.
وقوله:"فلما جاءَ المزْدَلِفَة نزل فتوضأ" أي: بماء زمزم أيضًا، والمزدلفة تسمى جَمْعًا -بفتح الجيم وسكون الميم- وسُمِّيت جمعًا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء، وازدلف إليها، أي: دنا منها. وروي عن قتادة أنها سميت جَمْعًا لأنها يُجمع فيها بين الصلاتين. وقيل: وصفت بفعل أهلها, لأنهم يجتمعون فيها ويزدَلِفون إلى الله، أي: يتقربون إليه بالوقوف فيها.
وسميت المُزدَلِفة إما لاجتماع الناس فيها، أو لاقترابهم إلى مِنى، أو لازدلاف الناس منها جميعًا، أو للنزول بها في كل زُلْفةٍ من الليل، أو لأنها منزلة وقربة إلى الله، أو لازدلاف آدم إلى حواء بها.
وقوله:"فأسبغَ الوضوء" أي: لإرادته الصلاة به، بخلاف الأول كما مرّ. قيل: فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يُفصل بينهما بصلاة، وفيه نظر، لاحتمال أن يكون أحدث كما مر.
وقوله:"ثم أُقيمتِ العشاءُ، فصلّى، ولم يُصَلِّ بينهما" وفي رواية ابن عمر في الحج: "ولم يسبِّح بينهما, ولا على أثر كلِّ واحدة منهما" أي: عقبها، ويستفاد من هذه الرواية أنه ترك التنفل عقب المغرب وعقب العشاء، ولما لم يكن بين المغرب والعشاء مهلة صرح بأنه لم يتنفل بينهما، بخلاف العشاء، فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه لم يتنفل عقبها, لكنه تنفل عقب ذلك في أثناء الليل.
ومن ثم قال الفقهاء: تؤخر سنة العشاءين عنهما. ونقل ابن المنذر الإجماع