وقيل: إن التحريم مختصٌّ بأهل المدينة ومَنْ كان على سمتها، فأما مَنْ كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقًا، لعموم قوله:"شرِّقوا أو غرِّبوا" قاله أبو عَوانة صاحب المُزَني، وعكسه البخاري فاستدل به على أنه ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة كما يأتي في باب قبلة المدينة من كتاب الصلاة.
ويُستثنى من القول بالحرمة في الصحراء ما لو كان الريح يهب على يمين القبلة أو على شمالها، فإنهما لا يحرمان للضرورة.
ولمسلم:"ولا يستدبرها ببول أو بغائط" والغائط في الحديث غيره في الترجمة، فقد أطلق فيها على الخارج من الدبر مجازًا من إطلاق اسم المحل على الحال كراهية لذكره بصريح اسمه، وحصل من ذلك جِناس تام.
والظاهر من قوله:"ببول" اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة، ويكون مثاره إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة، ويؤيده قوله في حديث جابر:"إذا هَرَقْنا الماء". وقيل: مثار النهي كشف العورة، وعلى هذا فيطَّرِد في كل حالة تكشف فيها العورة كالوطء مثلًا، وقد نقله ابن شاس المالكي قولًا في مذهبهم، وكأن قائله تمسك برواية في "الموطأ": "لا تستقبلوا القبلةَ بفروجِكم" ولكنها محمولة على المعنى الأول، أي: حال قضاءَ الحاجة، جمعًا بين الروايتين. قاله في "الفتح".
قلت: ما قاله من حمله على حال قضاء الحاجة لم يحمله عليه مالك صاحب الرواية, بل حمله على ظاهره، فمنع الوطء في حال استقبال القبلة هو مشهور مذهب مالك، فقوله:"قولًا في مذهبهم" غير صحيح لكنه لا عار عليه فيه لأنه غير مذهبه، وحمله على ظاهره أولى من حمله على حال قضاء الحاجة، لأن حال الجماع أقبح بكثير من حالة قضاء الحاجة، فإذا منع التوجه إلى القبلة حال قضاء الحاجة، فلئن يمنع في حالة الجماع أولى، وقد نظمت ملخص مذهب مالك في الوطء وقضاء الحاجة، فقلت: