"غريب الحديث"، وكتاب "المعاني"، وكتاب "المصادر"، وغير ذلك.
وقد ضاقت عليه المعيشة بالبصرة، فخرج يريد خراسان، فشيعه من أهل البصرة نحو من ثلاثة آلاف رجل، ما فيهم إلا محدث أو نحوي أو لغوي أو عَرُوضي أو أخباري، فلما صار بالمِرْبَد جلس، وقال: أيها الناس يعزُّ علينا فراقكم، والله لو وجدت كل يوم كَيْلَجة باقلي ما فارقتكم، فلم يكن أحد فيهم يتكلف له بذلك. فسار حتى وصل خراسان، فأفاد بها مالًا عظيمًا، وكانت إقامته بمرو. وقع مثل هذه القضية للقاضي عبد الوهاب المالكي لمّا خرج من بغداد.
وله مع المأمون بن هارون الرشيد حكايات ونوادر لما كان مقيمًا بمرو، وكان يجالسه، فمن ذلك ما حكاه في "درة الغواص" من أنه قال: كنت أدخل على المأمون في سمره، فدخلت ذات ليلة وعليّ ثوب مرقوع، فقال: يا نضر ما هذا التقشف حتى تدخل على أمير المؤمنين في هذه الخَلَقَات؟ قلت: يا أمير المؤمنين: إن حر مرو شديد، وأنا شيخ كبير، فأبرد بهذه الخَلَقات. قال: ولكنك رجل قَشِفٌ. ثم أجرينا الحديث، فأجرى هو ذكر النساء، فقال: حدثنا هشيم، عن خالد، عن الشعبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سدادٌ من عَوَزٍ" فأورده بفتح السين. قال: فقلت: صدق يا أمير المؤمنين هُشيم، حدثنا عَوْف بن أبي جَميلة، عن الحسن، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سِدادٌ من عَوَزٍ" قال: وكان المأمون متكئًا، فاستوى جالسًا، وقال: يا نضر كيف قلت سِداد؟ قلت: لأن السِّداد هنا لحنٌ. قال: أوَ تُلَحِّنُني؟ قلت: إنما لحن هشيم وكان لحّانه. فتبع أمير المؤمنين لفظه، وقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السِّداد بالفتح: القصد في الدين والسبيل، والسِّداد بالكسر: البلغة، وكل ما سددتَ به شيئًا فهو سِداد. قال: أو تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العَرْجيُّ يقول: