فقال المأمون: قبّح الله من لا أدب له، وأطرق مَليًّا، ثم قال: ما مالك يا نضر؟ قلت: أُريضةٌ أتصابُّها وأتمززها. قال: أفلا نفيدك مالًا معها؟ قلت: إني إلى ذلك لمحتاج، فأخذ القرطاس وأنا لا أدري ما يكتب، ثم قال: كيف تقول إذا أمرت أن يُثْرب؟ قلت: أتربه. قال: فهو ماذا؟ قلت: مُثْرَبٌ. قال: فمن الطين؟ قلت: طِنْه. قال: فهو ماذا؟ قلت: مَطِيْنٌ. قال: هذه أحسن من الأولى. ثم قال: يا غلام: أتِربْه وطِنْه. ثم صلى بنا العشاء، وقال لخادمه: تبلغ معه إلى الفضل بن سهل. قال: فلما قرأ الفضل القِرْطاس، قال: يا نضر: إن أمير المؤمنين قد أمر لك بخمسين ألف درهم فما كان السبب فيه؟ فأخبرته ولم أكذبه. فقال: لحَّنْت أمير المؤمنين؟! فقلت: كلاّ، إنما لحن هُشيم وكان لحّانة، فتبع أمير المؤمنين لفظه وقد تتبع ألفاظ الفقهاء ورواة الآثار, ثم أمر لي بثلاثين ألف درهم، فأخذت ثمانين ألف درهم بحرف استُفيد مني.
ومن أخباره أنه مرض، فدخل عليه قوم يعودونه، فقال له رجل منهم يُكْنى أبا صالح: مسح الله ما بك. فقال: لا تقل: مَسَحَ بالسين، ولكن قل: مَصَح الله بالصاد أي: أذهبه وفرَّقه، أما سمعت قول الأعشى
وإذا ما الخمرُ فيها أزبَدَتْ ... أفَلَ الازبادُ فيها ومَصَحْ
فقال له الرجل: إن السين قد تُبدل من الصاد، كما يقال: الصراط السراط، وصقر وسقر. فقال له النضر: فأنت إذًا أبا سالح.
وتشبه هذه النادرة ما حكي أيضًا من أن بعض الأدباء جوِّز بحضرة الوزير أبي الحسن الفرات أن تُقام السين مقامَ الصاد في كل موضع. فقال له الوزير: أتقرأ {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ} أم من سلح، فخجل الرجل وانقطع.
والذي ذكره أرباب اللغة في جواز إبدال الصاد من السين أن كل كلمة كان فيها سين وجاء بعدها أحد الحروف الأربعة، وهي: الطاء والخاء والغين والقاف، فيجوز إبدال السين بالصاد، فتقول في الصراط: السراط، وفي سخر