الاستنجاء بالعظم والروث، فإن الله تعالى جعل لنا فيه رزقًا، فنهاهم عن ذلك، وقال:"إنه زاد إخوانكم من الجن".
قلت: هذا الحديث غير مناف للحديث السابق من سؤالهم الزاد منه عليه الصلاة والسلام، لما يأتي إن شاء الله في باب المبعث النبوي من تعدد وفود الجن عليه -صلى الله عليه وسلم-، فيكون هذا النبي في هذا الحديث واقعًا بعد أن سألوه ودعا لهم الله تعالى، فأخبروه بما حصل لهم بسبب دعائه، وسألوه الكف عما صار طعامًا لهم، وهذا في غاية البيان، والله تعالى المستعان.
والظاهر من التعليل الوارد في الحديث اختصاص المنع بهما، نعم يلتحق بهما المطعومات التي للآدميين قياسًا من باب الأولى، وكذا المحرمات كأوراق كتب العلم.
ومن قال: علة النهي عن الروث كونه نجسًا. ألحق به كل نجس ومتنجس, وعن العظم كونه لزجًا فلا يزيل إزالة تامة. ألحق به ما في معناه كالزجاج الأملس. ويؤيده ما رواه الدَّارقطني وصححه عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يُستنجى بروث أو بعظم، وقال:"إنهما لا يطهِّران" وفي هذا رد على من قال: إن الاستنجاء بهما مجزىء، وإن كان منهيًّا عنه.
قلت: مذهب المالكية أن كل ما حصل به الإِنقاء يجزىء, لأن المدار على الإِنقاء، فالأحجار لا يحصل بها إلاَّ إنقاء المحل لا تطهيره، ولو أحرق العظم وخرج عن حال العظام ففيه وجهان عند الشافعية، أصحهما المنع، ولم يحضرني النص فيه عند المالكية، والظاهر عندي الجواز لخروجه عن العظامية، وإن اختص المطعوم بالبهائم لم يمنع عندنا، ومنعه ابن الصباغ من الشافعية.
وقوله:"بأحجار لطرف ثيابي" أي: في طرف.
وقوله:"فوضعتُها" بتاء بعد العين الساكنة، وفي رواية:"فوضعها".
وقوله:"وأعرضتُ عنه" وللكشميهني: "واعترضتُ" بزيادة مثناة بعد العين، والمعنى متقارب.