قال في "الفتح" وفي قوله: "بثلاثة أحجار" العمل بما دل عليه النهي في حديث سلمان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"ولا يستنجِ أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار"، وأخذ بهذا الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، فاشترطوا أن لا ينقص عن الثلاث، مع مراعاة الإِنقاء، إذا لم يحصل بها فيزداد حتى ينقى، ويستحب حينئذ الإِيتار، لقوله:"من استجمر فلْيوتر" وليس بواجب، لزيادةٍ عند أبي داود حسنةٍ، قال:"ومن لا فلا حرج" وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في الحديث.
قال الخطابي: لو كان القصد الإِنقاء فقط لخلا اشتراط العدد من الفائدة، فلما اشتُرط العدد لفظًا، وعُلم الإِنقاء فيه معنى، دَلَّ على إيجاب الأمرين، ونظيره العدة بالأقراء، فإن العدد مشترط، ولو تحققت براءة الرحم بقرء واحد.
قلت: هكذا قال انتصارًا لمذهبه، وبعض كلامه يرد بعضه، فقد قال: ليس بواجب لحديث أبي داود، ونقل عن الخطابي قوله: دل على وجوب الأمرين. وهذا مخالف لما مر.
وقوله: لخلا اشتراط العدد من الفائدة. يقال فيه: إن العدد لم يشترط، وإنما جاء على سبيل الندب، وقول أبي داود:"ومن لا فلا حرج" كاف في عدم اشتراطه.
وقد جاء الإِيتار في أكثر أفعاله عليه الصلاة والسلام في وضوئه بثلاث غرفات على ما هو الغالب من أحواله عليه الصلاة والسلام، وكتكحله، وكإعادته للحديث ثلاثًا. وفي الحديث:"إن الله وتر يحب الوتر".
وأما القياس على الأقراء في العدة فقياس مع وجود الفارق, لأن الأقراء واجبة بنص القرآن العظيم، وكون البراءة تحصل بالقرء الواحد أمر غير قطعي، لوجود الحيض من الحامل، فجُعلت الثلاثة لبراءة الرحم احتياطًا في البراءة، ليحصل القطع ببراءة الرحم. واشتراط الأقراء لم يحصل له معارِض،