للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "ثم مسح برأسه" وجاء حذف الباء في الروايتين المذكورتين في هذا الحديث، وليس في شيء من طرقه عند "الصحيحين" ذكر عدد للمسح، فاقتضى ذلك الاقتصار على مرة واحدة وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد، إلاّ أن مالكًا يُسنُّ عنده رد مسح الرأس كما يأتي إن شاء الله تعالى مستوفي في باب مسح الرأس كله. وقال الشافعي: يستحبُّ التثليث في المسح كما في الغَسْل، واستدل بظاهر رواية مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثًا ثلاثًا. وأجيب بأنه مجمل، تَبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر، فيحمل على الغالب، أو يختص بالمغسول.

قال أبو داود في "السنن": أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة. وقال ابن المُنذر: الثابت عنه عليه الصلاة والسلام في المسح مرة واحدة. وأيضًا: المسح مبني على التخفيف، فلا يُقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ. وأيضًا لو اعتبر العدد في المسح لصار في صورة الغسل، إذ حقيقة الغسل جريان الماء، والدلك غير مشترط على الصحيح عند أكثر العلماء، وقد اتفق على كراهة غسل الرأس بدل المسح وإن كان مجزئًا.

وبالغ أبو عبيد فقال: لا نعلم أحدًا من السلف استحب تثليث الرأس إلاّ إبراهيم التّيمي، وفيما قاله نظر، فقد نقله ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس وعطاء وغيرهما، وقد روى أبو داود من وجهين صحح أحدهما ابن خُزيمة وغيره في حديث عثمان بتثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة، لكن لا يخفى أن هذه الزيادة شاذة، لما مر قريبًا عن أبي داود فلا تثبت بها حجة لشذوذها.

وقوله: "ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى المرفقين" أي: مع الكعبين، وهما العظمان المرتفعان عند مفصل الساق والقدم. وقوله: "من توضأ نحو وضوئي هذا" قال النووي: إنما لم يقل مثل؛ لأن حقيقة مماثلته لا يُقدر عليها. لكن ثبت التعبير بها في رواية المصنف في الرقاق، ولفظه: "من توضأ مثل هذا الوضوء" وله في الصيام: "من توضأ وضوئي" ولمسلم عن حُمران: "توضأ مثل وضوئي هذا" وعلى هذا فالتعبير بنحومن تصرف الرواة؛ لأنها تطلق على المثلية

<<  <  ج: ص:  >  >>