وروي عن سعد رضي الله تعالى عنه أنه قال: ما قمت في صلاة فحدثتني نفسي فيها بغيرها. قال الزُّهري: رحم الله سعدًا إن كان لمأمونًا على هذا، ما ظننت أن يكون هذا إلاّ في نبي.
ثم إن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد رفعه مطلقًا، ووقع في رواية الحكيم الترمذي في هذا الحديث:"لا يحدِّث نفسه بشيء من أمور الدنيا" وهو في "الزهد" لابن المبارك أيضًا، "والمصنف" لابن أبي شَيبة. ومنها ما يتعلق بالآخرة، فإن كان من متعلقات تلك الصلاة كالتفكر في معاني ما يتلوه من القرآن، فذلك سائغ فاضل، وإن كان أجنبيًّا منها أشبه أحوال الدنيا, ولذا قال البِرماوي فيما روي أن عمر كان يجهز جيشه في الصلاة: ينبغي تأويله لكونه لا تعلق له بالصلاة، إذ السائغ إنما هو ما يتعلق بها من فهم المتلو فيها وغيره، كما قاله عز الدين بن عبد السلام.
وقوله:"غُفر له ما تقدَّم من ذنبه" بضم الغين مبنيًّا للمفعول، ولابن عساكر:"غفر الله له"، وظاهره يعم الصغائر والكبائر، لكنهم خصصوه بالصغائر دون الكبائر، لما في مسلم من التصريح بذلك، فيُحمل المطلق على المقيد. وزاد ابن أبي شيبة "وما تأخر"، ويأتي لفظه إن شاء الله تعالى في باب المضمضة، وقد استوفيت الكلام على هذا البحث في كتاب الإيمان عند حديث قيام ليلة القدر.
وفي رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَغْتَروّا" أي: لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب، فتسترسلوا في الذنوب اتكالًا على غفرانها بالصلاة، فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة، ولا اطلاع لأحد عليه. أو المعنى هو أن المكفَّر بالصلاة هو الصغائر، فلا تغتروّا فتعملوا الكبيرة بناء على تكفير الذنوب بالصلاة، فإنه خاص بالصغائر. أو: المعنى لا تستكثروا من الصغائر، فإنها بالإصرار تُعطى حكم الكبيرة، فلا يكفرها ما يكفر الصغيرة. أو: إن ذلك خاص بأهل الطاعة، فلا يناله من هو مرتبك في المعصية.