للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النجاسة على الماء، وهو ظاهر.

قلت: هذا ظاهر عند من جعل الأمر تعللًا، وأما من جعله تعبدًا فلا دليل فيه عنده على ما قيل.

واستدل به أيضًا على أن النجاسة تؤثر في الماء، وهو صحيح، لكن كونها تؤثر التنجيس وإن لم يتغير فيه نظر, لأن مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس، فيحتمل أن تكون الكراهة بالمتيقن أشد من الكراهة بالمظنون، قاله ابن دقيق العيد، ومراده أنه ليست فيه دلالة قطعية على من يقول: إن الماء لا ينجس إلا بالتغير.

قلت: بل ولا ظنية, لأن القائل بأن المطلق لا يتنجس إلاّ بالتغير جعل الأمر في هذا الحديث للتعبد كما مر عن المالكية.

وفيه تنبيه على أنه ينبغي للسامع لأقواله عليه الصلاة والسلام أن يتلقاها بالقبول ودفع الخواطر الرادة لها، فقد روي أن شخصًا سمع هذا الحديث، فقال: إنه يعرف أين تبيت يده منه، فاستيقظ من النوم، ويده داخل دبره محشوة، فتاب عن ذلك وأقلع، نرجو الله تعالى السلامة من الخواطر الرديئة.

وفيه الأخذ بالوثيقة والعمل بالاحتياط في العبادة، والكناية عما يُستحيى منه إذا حصل بها الإفهام، واستحباب غسل النجاسة ثلاثًا. لأنه أمرنا بالتثليث عند توهمها، فعند تيقنها أولى.

قلت: هذا عند من يرى أن الأمر لأجل النجاسة لا عند القائل بأنه تعبد، ولكن يقال لهذا: لم لا تقول بانها يُندب غسلها سبعًا كما ورد في ولوغ الكلب احتياطًا للطهارة إذا كنت تقول الأمر فيهما لأجل النجاسة.

وفيه أيضًا أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه، وفيه أيضًا إيجاب الوضوء من النوم، وفيه تقوية من يقول بالوضوء من مسّ الذكر، حكاه أبو عَوانة في "صحيحه" عن ابن عُيينه، وفيه أن القليل من الماء لا يصير مستعملًا بإدخال اليد فيه لمن أراد الوضوء.

<<  <  ج: ص:  >  >>