قال في "الفتح": وفي استفهامه له -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك دلالة على أنه لا يختص بالتزويج، لكن وقع في بعض طرقه:"فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فرأى علي بشاشة العرس، فقال: أتزوجت؟ فقلت: تزوجت امرأة من الأنصار" فقد يتمسك بهذا السياق للمدَّعَى، ولكن القصة واحدة، وفي أكثر الروايات أنه قال له:"مهيم؟ " أو: "ما هذا؟ " فهو المعتمد. وبشاشة العرس: أثره وحسنه، أو فرحه وسروره، يقال: بشَّ بفلان، أي: أقبل عليه فرحًا به، ملطفًا به.
وقوله:"حتى تنبعث به راحلته" أي: تستوي قائمة إلى طريقه، والمراد ابتداء الشروع في أفعال النُّسك، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: يُحرم عقب الصلاة جالسًا، وهو قول عند لشافعية أيضًا، لحديث الترمذيّ:"أنه -صلى الله عليه وسلم- أهلَّ بالحج حين فرغ من ركعتيه" وقال: حسن. وقال آخرون: الأفضل أن يُهِلَّ من أول يوم من ذي الحجة. وقد كان ابن عمرُ يُنكر على رواية ابن عباس الآتية في الحج بلفظ:"ركب راحلته حتى استوى على البَيْداء أهلَّ" ويقول: والله ما أهل إلا من عند المسجد مسجد ذي الحُلَيْفة.
وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم عن سعيد بن جُبير قال: قلت لابن عبّاس: عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إهلاله فذكر الحديث، وفيه:"فلما صلى في مسجد ذي الحُلَيْفة ركعتين، أوجب من مجلسه، فأهلَّ الحج حين فرغ منها، فسمع منه قوم، فحفظوه، ثم ركب، فلما استقلت به راحلته أهلَّ، وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوه في المرة الأولى، فسمعوه حين ذلك، فقالوا: إنما أهلَّ حين استقلّت به راحلته، ثم مضى، فلما علا شرف البيداء أهلّ، وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه، فنقل كل واحد ما سمع، وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله، ثم أهل ثانيًا وثالثًا". فعلى هذا كان إنكار ابن عمر على من يخصُّ الإهلال بالقيام على شرف البيداء، وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك، وإنما الخلاف في الأفضل.
واستنبط بعض العلماء من مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي أو غيره، فأما تقبيل يد الآدمي فقد تكلمنا عليه بما