للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد استحكام الكَلَب فيه، أما في ابتدائه فلا يمتنع منه.

قال في "الفتح": وهذا التعليل وإن كان فيه مناسبة، لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل، والتعليل بالتنجيس أقوى, لأنه في معنى المنصوص، وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب بأنه رِجْس. رواه محمد بن نَصْر المَرْوزي بإسناد صحيح، ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه.

قلت: ما عُزي لابن عباس رضي الله تعالى عنه إنما هو اجتهاد منه، واجتهاد المجتهد لا يُحتجُّ به على مجتهد آخر، وكون الصحابة لم يُنقل عنهم خلافه، كذلك لم ينقل عنهم وفاقه.

والحنفية لم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب، وإنما قالوا بوجوب غسل الإناء ثلاثًا، آخذين بما جاء عن أبي هُريرة قولًا وفعلًا، قائلين: إن عمله بخلاف السبع التي روى مثبتٌّ نسخ السبع, لأن الراوي إذا عمل بخلاف روايته أو أفتى بخلافها لا يبقى حجة, لأن الصحابي لا يَحِلُّ أن يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- ويفتي أو يعمل بخلافه، إذ تسقط به عدالته، ولا تُقبل روايته، وإنا نحسن الظن بأبي هريرة، فدل على نسخ ما رواه.

وتعقبه في "الفتح" بأن إفتاء أبي هريرة بثلاث يُحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها، أو كان نسي ما رواه، ومع الاحتمال لا يثبت النسخ.

قلت: دعوى نسيانه بعيدة جدًّا لما مر من دعائه عليه الصلاة والسلام له بعدم النسيان، ولقوله هو رضي الله تعالى عنه: ما نسيتُ شيئًا بعد ذلك.

ثم قال: وأيضًا فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعًا، ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها، من حيث الإسناد ومن حيث النظر، أما النظر فظاهر، وأما الإسناد فالموافقة وردت من وراية حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سرين، عنه. وهذا من أصح الأسانيد، وأما المخالفة فمن

<<  <  ج: ص:  >  >>