للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ما أبعد هذا الجواب، فإذا كان العرب في الجاهلية يمكن أن يتقرر عندهم غسل الدم استقذارًا له مع استبعاده، فكيف يمكن أن يتقرر عندهم غسل موضع فم الكلب لنجاسته، وعلماء المسلمين بعد تقرر الشريعة مختلفون في نجاسته وطهارته، لم يثبت عندهم نصٌّ قاطع فيه فهذا غير معقول.

وقد قال ابن المنير عند الشافعية: إن السكين إذا سُقيت بماء نجس وذبح بها نجَّست الذبيحة، وناب الكلب عندهم نجس العين، وقد وافقونا على أن ذكاته شرعية لا تُنَجِّس المذكّى، وهذا إيراد في غاية الصعوبة. وأجيب عنه بأنه لا يلزم من الاتفاق على أن الذبيحة لا تصير نجسة بمعضِّ الكلب ثبوت الإجماع على أنها لا تفسير متنجسة، فما ألزمهم به من التناقض ليس بلازم، على أن في المسألة عندهم خِلافًا، والمشهور وجوب غسل المَعَضِّ.

قلت: هذا الجواب غير جواب عن الإيراد، فإن الذي ألزمهم من التناقض لازم لهم، فإنه لم يُلْزِمُهم ثبوتُ الإجماع على أنها لا تصير متنجّسة، وإنما ألزَمَهُم ثبوت نجاستها في مذهبهم, لأنهم لما حكم وابن جاسة الذبيحة بالسكين العارضة نجاستها فكانت نجاستها بناب الكلب النجسة العين من باب أولى، وكيف يجري عندهم الخلاف في غسل معض الكلب، ولا يجري عندهم في المذبوحة بالسكين المتنجسة.

وظاهر قوله: "ولم تُسمِّ على كلب آخر" أن التسمية لابدَّ منها، والأمر كذلك، فقد أجمعوا على مشروعيتها، إلا أنهم اختلفوا في كونها شرطًا في حلِّ الأكل. فذهب الشافعي وطائفة، وهي رواية عن مالك وأحمد أنها سنة، فمن تركها عمدًا أو سهوًا لم يَفْدح في حلِّ الأكل، وذهب أحمد في الراجح عنه وأبو ثور وطائفة إلى أنها واجب، لجعلها شرطًا في حديث عديٍّ هذا, ولإيقاف الإذن في الأكل عليها في حديث أبي ثعلبة الآتي في الذبائح، والمعلق بالوصف ينتفي عند انتقائه، عند من يقول بالمفهوم، والشرط أقوى من الوصف.

ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة، وما أُذن فيه منها تراعى

<<  <  ج: ص:  >  >>