للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترمذي أيضًا، وآخر عند الدارقطني في الأفراد من حديث البراء بن عازب، وقال: تفرد به شَريك.

وفيه جواز اقتناء الكلب المعلّم للصيد، فقد أخرج البخاري عن ابن عمر: "من اقتنى كلبًا إلا كلبًا ضاريًا لصيد، أو كلب ماشية، فإنه ينقصُ من أجره كلَّ يوم قيراطان"، وأخرج عن أبي هريرة مثله، إلا أنه قال: "نقَصَ كلَّ يوم من عمله قيراط"، وأخرج عنه أيضًا: "إلا كلب غنم، أو حرث، أو صيد"، فزاد في هذه الرواية كلب الحرث على رواية ابن عمر. وأخرج مسلم أن ابن عمر قيل له: إن أبا هريرة يقول: "كلب زرع"، فقال: إن لأبي هريرة زرعًا. يعني أنه أثبت منه في حفظ هذه الزيادة، لاحتياجه إلى تعرف أحكامها.

قال ابن عبد البر: في هذا الحديث إباحة اتخاذ الكلاب للصيد والماشية والزرع، وكراهة اتخاذها لغير ذلك، إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذُكر اتخاذُها لجلب المنافع ودفع المضارِّ قياسًا، فتُمْحَض كراهة اتخاذها لغير حاجة، لما فيه من ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة للبيت الذي هم فيه.

وفي قوله: "نقص من عمله"، أي من أجر عمله، ما يشير إلى أن اتخاذها غير محرم, لأن ما كان اتخاذه محرمًا امتنع اتخاذه على كل حال، سواء نقص الأجر أو لم ينقص، فدل ذلك على أن اتخاذها مكروه لا حرام. قال: ووجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإِناء سبعًا لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها، فربما دخل عليه باتخاذها ما يُنْقص أجره من ذلك. ويُروى أن المنصور سأل عمرو بن عبيد عن سبب هذا الحديث فلم يعرفه، فقال المنصور: لأنه يَنْبَح الضَّيْف، ويُرَوِّع السائل.

وما ادعاه من عدم التحريم، واستند له بما ذكر ليس بلازم، بل يحتمل أن تكون العقوبة تقع لعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ الكلب، ويحتمل أن يكون الاتخاذ حرامًا، والمراد بالنقص أن الإِثم الحاصل باتخاذه يوازي قدر قيراط أو قيراطين من أجر، فينقص من ثواب عمل

<<  <  ج: ص:  >  >>