وقوله:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}[النساء: ٤٣]، أي: فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين القبل والدبر، فعلق وجوب الوضوء أو التيمم عند فقد الماء على المجيء من الغائط، وهو المكان المطمئن من الأرض الذي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة فهذا دليل الوضوء مما يخرج من المخرجين.
ولكن ليس في هذه الآية ما يدُلُّ على الحصر الذي ذكره المؤلف. غاية ما فيها أن الله تعالى أخبر أن الوضوء أو التيمم عند فقد الماء يجب بالخارج من السبيلين.
وقوله:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} دليل الوضوء من ملامسة النساء.
وفسر الشافعي الملامسة المذكورة بجسِّ اليد، مستدلاًّ بأن ابن عمر فسّرها بذلك، والمعنى في النقض به أنه مظِنة الالتذاذ المُثير للشهوة.
وقال الحنفية: الملامسة هنا كناية عن الجِماع، فيكون دليلًا للغسل لا للوضوء، محتجين بما رُوي عن علي وأبي موسى رضي الله تعالى عنهما، وعطاء وطاووس والحسن البَصري والشعبي أن الملامسة كناية عن الجماع، فالملامسة عندهم لا ينقُضُ منها إلا المباشرة بالإِفضاء الفاحش مع الانتشار.
وأجيب عما قالوه بأن اللفظ لا يختصُّ بالجماع، قال تعالى:{فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ}[الأنعام: ٧]، وقال عليه الصلاة والسلام لماعز:"لعلّك قبّلت أو لمست" وفي الحديث الآخر: "اليد زناها اللمس".
وفصلت المالكية في اللمس جمعًا بين الآية والأحاديث، فقالوا اللمس مع قصد اللّذة أو وجدانها ناقض، وعند انتفاء القصد والوجدان لا نقض فيه، لحديث عائشة في مسلم:"أن يدها وقعت على قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ساجد"، ولحديثها في "الصحيحين": "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهي معترضة بينه وبين القبلة، فإذا سجد غمزني، فقبضتُ رجلي" ففي قولها: "غمزني" دليل واضح