ومن الدليل على النسخ صريحًا ما أخرجه أحمد وغيره عن الزُّهري عن سهل بن سعد، قال: حدثني أُبي بن كعب أن الفُتيا التي كانوا يقولون: "الماء من الماء". رخصة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص بها في أول الإِسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد. صححه ابن خُزيمة وابن حِبّان، وقال الإسماعيلي هو صحيح على شرط البخاري، إلا أنهم اختلفوا في كون الزُّهري سمعه من سعد، نعم، أخرجه أبو داود، وابن خُزيمة أيضًا من طريق أبي حازم عن سهل، وهو حديث صريح في النسخ، على أن حديث:"الغسل وإن لم ينزل" أرجح من حديث: "الماء من الماء", لأنه بالمنطوق، وترك الغسل من حديث "الماء من الماء" بالمفهوم أو بالمنطوق أيضًا، لكن ذاك أصرح منه.
وحديث:"إنما الماء من الماء" أخرجه مسلم مطولًا عن أبي سعيد الخُدري، وفيه قصة عُتبان بن مالك، واقتصر البخاري على القصة دون قوله:"الماء من الماء". ورواه أبو داود، وابن خُزيمة، وابن حِبّان، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم.
وروى ابن أبي شَيْبة وغيره عن ابن عباس أنه حمل حديث:"الماء من الماء" على صورة مخصوصة، وهي ما يقع في المنام من رؤبة الجماع، وهو تأويل يجمع بين الحديثين من غير تعارض.
وفي قوله:"الماء من الماء" جناس تام، والمراد بالماء الأول ماء الغسل، وبالثاني المني.
وذكر الشافعي أن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تُطلق بالحقيقة على الجماع، وإن لم يكن معه إنزال، فإن كل من خوطب بأن فلانًا أجنب من فلانة، علم بأنه أصابها وإن لم ينزل. قال: ولم يُخْتَلَف أن الزنى الذي يجب به الجلد هو الجماع ولو لم يكن معه إنزال.
وقال ابن العربي: إيجاب الغسل بالايلاج بالنسبة إلى الإنزال، تطير