قال ابن بطال: هذا من القُربات التي يجوز للرجل أن يعملها من غيره بخلاف الصلاة، قال: واستدلَّ البخاري من صبِّ الماء عليه عند الوضوء على أنه يجوز للرجل أن يوضئه غيره, لأنه لما لزم المتوضىء الاغتراف من الماء لأعضائه، وجاز له أن يكفيه غيره ذلك بالصب، والاغتراف بعض عمل الوضوء، كذلك يجوز في بقية أعماله.
وتعقبه ابن المُنير بأن الاغتراف من الوسائل لا من المقاصد, لأنه لو اغترف ثم نوى أن يتوضأ جاز، ولو كان الاغتراف عملًا مستقلًا لكان قد أخّر النية عليه، وذلك لا يجوز وحاصله التفرقة بين الإعانة بالصبِّ وبين الإعانة بمباشرة الغير لغسل الأعضاء، والحديثان دالاّن على عدم كراهة الاستعانة بالصبِّ، وكذا إحضار الماء من باب الأولى، وأما المباشرة فلا دِلالة فيهما عليها.
قلت: قد مر ذلك قريبًا ما أبديته مما يصحُّ أن يكون هو مُراد البخاري، وما رواه أبو جعفر الطبري عن ابن عمر أنه كان يقول: ما أُبالي من أعانني على طُهوري أو على رُكوعي وسُجودي. محمول على الإِعانة بالمباشرة لا الصبِّ، بدليل ما رواه الطبري أيضًا وغيره، عن مجاهد أنه كان يسكُبُ على ابن عمر وهو يغسِلُ رجليه. وقد روى الحاكم في "المستدرك" عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ أنها قالت: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء، فقال:"اسكبي" فسكبت عليه، وهذا أصرح في عدم الكراهة من الحديثين المذكورين، لكونه في الحضر، ولكونه بالطلب، لكنه ليس على شرط البخاري.
وفي الحديث من الفوائد باعتبار طرقه المتقدمة غير ما مر: الإبعاد عند قضاء الحوائج، والتواري عن الأعين، واستحباب الدّوام على الطهارة لأمره -صلى الله عليه وسلم- المغيرة أن يتبعه بالماء، مع أنه لم يستنج به، وإنما توضأ به حين رجع.
وفيه غسل ما يُصيب اليد من الأذى عند الاستجمار، وأنه لا تكفي إزالته بغير الماء، والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه.
وفيه الانتفاع بجلود الميتة إذا دُبغت، والانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق