وعند ابن سعد:"بين الفَضْل وثَوْبان" قائلًا: إن في جميع ذلك الرجل الآخر هو العبّاس، واختُصَّ بذلك إكرامًا له. وهذا توهُّم ممن قاله، والواقع خلافه، لأن ابن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازمٌ بأن المبهم هو علي، فهو المعتمد. ودعوى وجود العباس في كل مرة، والذي يتَبَدّل غيره مردود بما مر عن الدّارقُطني وابن حِبّان وابن سَعْد، فإنه صريح في أن العبّاس لم يكن في واحدة منها.
ويُجمع بين هذه الروايات بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين بُريرة ونُوبة، ومن ثَمَّ إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي أو غيرهما، أو يُحمل على تعدد الخروج، فيتعدد من اتّكأ عليه، وهو أولى من قول من قال: تناوبوا في صلاة واحدة.
وقوله:"وكانت عائشة تحدَّث" هو معطوف أيضًا بالإِسناد المذكور.
وقوله:"هَريقوا عليَّ" كذا للأكثر، وللأصيليّ بزيادة الهمزة وسكون الهاء، قال سيبويه: أَهراق يُهْريقُ إهرياقًا، مثل اسطاعَ يُسطيعُ اسطياعًا بقطع الهمزة وفتحها في الماضي، وضمِّ الياء في المستقبل وهي لغة في أطاعَ يُطيعُ، فجُعِلَت السين والهاء عوضًا من ذهاب حركة عين الفعل. وروي بفتح الهاء واستشكل، ويوجه بأن الهاء مبدلة من الهمزة؛ لأن أصل هَرَاق أراق، ثم اجتُلِبت الهمزة، فتحريك الهاء على بقاء البدل والمبدل منه، وله نظائر. وذكر له الجوهري توجيهًا آخر، وأن أصله أأريقوا، فأبدلت الهمزة الثانية هاءً للخفّة. وجزم ثعلب بأن أهَريقوا بفتح الهاء.
وقوله:"من سبع قرب" في رواية للطبراني في هذا الحديث: "من آبار شتّى"، والظاهر أن ذلك للتداوي، لقوله في رواية أخرى في "الصحيح": "لعلّي أستريحُ فأَعْهَدُ" أي: أوصي، وهذا مثل ما في هذه الرواية هنا:"لعلّي أعهد إلى الناس".
قال الخطابي: يشبه أن يكون خَصَّ السبع تبركًا بهذا العدد؛ لأن له دخولًا