قال ابن عبد البَرّ: وهذه الألفاظ كلها لم تجيء في حديث واحد، ولكنها جاءت في أحاديث جمعتُها واختصرتُها ولم أخالف شيئًا منها، وفي بعضها: فُسقوا والحمد لله. وفي بعضها: فأرخت السماء عزاليها، فجاءت بأمثال الجبال، حتى استوت الحُفَر بالآكام، وأخصبت الأرض، وعاش الناس. فقال عمر: هذا والله الوسيلة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، والمكان منه. قال حسان بن ثابت:
سألَ الإمامُ وقد تتابَعَ جدبنُا ... فسقَى الغمامُ بغرَّةِ العبّاسِ
أحيا الإِلهُ به البلادَ فأصبَحَتْ ... مخضرةَ الأخبابِ بعدَ الياسِ
وقال الفضل بن عبّاس بن عتبة بن أبي لهب:
بِعَمّي سَقَى الله الحجازَ وأهْلَهُ ... عشيَّةَ يسْتَسْقي بشيبته عُمر
توجَّهَ بالعباسِ في الجَدْبِ راغبًا ... فما كَرَّ حتى جادَ بالديِّمةِ المطرُ
قال ابن عبد البر: ورَوينا من وجوه عن عُمر أنه خرج يستسقي، وخرج معه العباس، فقال: اللهم إنا نتقَرَّب إليك بعمِّ نبيك -صلى الله عليه وسلم-، ونستشفع به، فأحفظ فيه لنبيِّك -صلى الله عليه وسلم- كما حفظت الغلامين لصلاح أبيهما، وأتيناك مستغفرين ومستشفعين، ثم أقبل على العباس، فقال: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)} نوح: [١٠ - ١٢]، ثم قام العباس رضي الله تعالى عنه وعيناه تنضحان، فطالع عمر، ثم قال: اللهم أنت الراعي لا تهمل الضّالة، ولا تدع الكسير بدار مَضيعة، فقد ضرع الصغير، ورقَّ الكبير، ارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم فأغِثْهم بغياثك من قبل أن يَقْنَطوا فيهلِكُوا، فإنه لا ييأس من رَوْحِكَ إلا القومُ الكافرون، فنشأت طريرة من سحاب، فقال الناس: ترون ترون!! ثم تلاءمت واستتمت ومشت فيها ريح، ثم هزت ودرت، فوالله ما برحوا حتى اعتلقوا الجدر، وقلصوا المآزر، وطَفق الناس بالعباس يمسحون أركانه، ويقولون: هنيئًا لك ساقي الحرمين.