للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن يونُس في "تاريخ الغرباء": قدم مصر وتزوج بها امرأة من بني وَعْلة، وأقام بها سبع سنين، وكان فقيهًا فاضلًا، وقال ابن شَوْذَب: كان يقرأ كل ليلة ربع القرآن، ويقرأه كل نهار ناظرًا في المصحف، وجمع المسجد الحرام بينه وبين أخويه، عبد الله، ومصعب، وعبد الملك بن مروان. أيام تألفهم بعهد معاوية بن أبي سفيان، فقال بعضهم: هَلُمَّ فَلْنَتَمَنَّ، فقال عبد الله بن الزبير: مُنيتي أن أملك الحرمين، وأنال الخلافة. وقال مُصعب: منيتي أن أملك العِراقين، وأجمع بين عَقِيلتَي قريش، سُكَيْنه بنت الحسين بن علي، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله.

وقال عبد الملك بن مَرْوان: منيتي أن أملك الأرض كلها، وأخلف معاوية. فقال عروة: لست في شيءٍ مما أنتم فيه، منيتي الزهد في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة، وأن أكون ممن يُروى عنه هذا العلم؛ فصرف الدهر من صرفه إلى أن بلغ كل واحد منهم غرضه، فكان عبد الملك لهذا يقول: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير.

وقدم على الوليد بن عبد الملك، ومعه ولده محمَّد، فدخل ولده إسطبل دواب عبد الملك، فضربته دابة، فخر ميتًا، ووقعت في رجله الأَكلَةُ كقُرحة، فقال له الوليد: اقطعها وإِلا أفسَدَتْ عليك جسدك، فقطعها بالمنشار، وهو شيخ كبير، ولم يمسكه أحد، وكان في مجلس الوليد، والوليد مشغول عنه بمن يحدثه، ولم يَتَحرَّك، ولم يشعر الوليد بأنها قطعت حتى كُويت، وشم رائحة الكي، ولم يترك ورده تلك الليلة -وقال ابن شَوْذَب: إنه تركه تلك الليلة- وما زاد حالة قطعها على التكبير والتهليل ولما قطعت أغلي له الزيت في مغارف الحديد، فحسم به، فغشي عليه، فأفاق وهو يمسح العرق عن وجهه، ولما رأى القدم بأيديهم دعى بها، فقلبها في يده، ثم قال: والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام، وقال: اللهم إنه كان لي أطراف أربعة، فأخذت واحدًا، وأبقيت لي ثلاثة، فلك الحمد، وايم الله، لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لطالما عافيت، ولم يُسمع منه شيء حتى قدم

<<  <  ج: ص:  >  >>