المدينة، فقال:{لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}[الكهف: ٦٢] وكان أحسن من عزاه إبراهيم بن محمَّد بن طَلْحة، فقال: والله ما بك حاجة إلى المشي، ولا أَربٌ إلى السعي، وقد تقدمك عضو من أعضائك، وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع للبعض، إن شاء الله تعالى، وقد أبقى الله منك ما كنا إليه فقراء، وعنه غير أغنياء من علمك، ورأيك؛ نفعك الله وإيانا به؛ والله ولي ثوابك، والضمين لحسابك.
وروي أنه قدم تلك السنة قوم من بني عبس، فيهم رجل ضرير، فسأله الوليد عن عَيْنَيْه، فقال: يا أمير المؤمنين! بت ليلة في بطن واد، ولا أعلم عبسيًّا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل، فذهب بما كان لي من أهل، ومال، وولد، غير بعير، وصبي مولود، وكان البعير صعبًا فند، فوضعت الصبي، واتبعت البعير، فلم أجاوز إلا قليلًا حتى سمعت صيحة ابني، ورأسه في فم الذئب يأكله، فلحقت البعير لأحبسه، فنفحني برجله على وجهي، فَحَطَمَهُ، وذهب بعينى، فأصبحت لا مال لي، ولا أهل، ولا ولد، ولا بصر، فقال الوليد: انطلقوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاءً، وكان عروة إذا جاءت أيام الرطب يَثْلُمُ حائطه، فيدخل الناس، فيأكلون ويحتملون، وكان إذا دخله رَدَّدَ هذه الآية:{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}[الكهف: ٣٩] حتى يخرج، ولما قتل أخوه عبد الله، قدم على عبد الملك، وقال له يومًا: أريد أن تعطيني سيف أخي عبد الله، فقال له: هو بين السيوف، ولا أميزه من بينها، فقال عروة: إذا حضرت السيوف عرفته، فأمر عبد الملك بإحضارها، فلما حضرت، أخذ منها سيفًا مفللا، فقال هذا سيف أخي، فقال له: كنت تعرفه قبل الآن؟ فقال: لا، فقال: كيف عرفته؟ قال: قال النابغة: