فإن قيل: قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النجم: ٣٩]، وهو يدل على عدم وصول ثواب القرآن للميت، فالجواب هو أن العلماء اختلفوا في الآية على ثمانية أقوال.
أحدها: أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}[الطور: ٢١]، أدخل الأبناء الجنة بصلاة الآباء، قاله ابن عبّاس.
الثاني: أنها خاصة بقوم إبراهيم وموسى عليهما السلام، وأما هذه الأمة فلهم ما سَعَوا وما سَعَى لهم غيُرهم. قاله عكرمة.
الثالث: المراد بالِإنسان هنا الكافر. قاله الرَّبيعُ بن أنس.
الرابع: ليس للإنسان إلاَّ ما سعى من طريق العدل، فأما من باب الفَضْل فجائز أن يزيد الله تعالى ما شاء، قاله الحُسين بن الفَضْل.
الخامس: أن معنى ما سعى: ما نوى، قاله أبو بكر الورّاق.
السادس: ليس للكافر من الخير إلاَّ ما عمله في الدنيا، فيُثاب عليه في الدنيا، حتى لا يبقى له في الآخرة شيء. ذكره الثَّعْلَبي.
السابع: أن اللام في: للإِنسان، بمعنى على، أي: ليس على الإنسان إلاَّ ما سعى.
الثامن: أنه ليس له إلاَّ سعيه، غير أن الأسباب مختلفة، فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه، وتارة يكون سعيه في تحصيل سببه، مثل سعيه في تحصيل قراءة ولدٍ يترحم عليه، وصَديق يستغفِر له، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة، فيكتسب محبة أهل الدين، فيكون ذلك سببًا حصل بسعيه، حكاه أبو الفرج.
وقد أشبعنا الكلام على هذه الآية بما لا نزيد عليه في كتابنا "مشتهى الخارف الجاني".