ما يغمرها حتى تستهلك فيه، ولا يشترط نضوب الماء؛ لأنه لو اشتُرط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف.
قال الموفق: الأَوْلى الحكم بالطهارة مطلقًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشترط في الصب على بول الأعرابي شيئًا.
وقيل: إن كانت صُلبة -بضم الصاد وسكون اللام- يُصب عليها من الماء سبعة أمثاله، ونقل هذا عن الشافعي من غير تقييد بصلابته، ولعله أخذه من نسبة بول الأعرابي الآتي في الحديث قريبًا إن شاء الله تعالى إلى الذنوب المصبوب عليه.
وفصلت الحنفية فقالوا: إذا كانت الأرض رَخوة بحيث يتخلّلها الماء حتىِ يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر، وإن كانت الأرض صُلبة، فإن كانت صعودًا يُحفر في أسفلها حُفيرة، ويُصب الماء عليها ثلاث مرات، ويتسفل إلى الحُفيرة، ثم تُكبس الحُفيرة. وإن كانت مستوية بحيث لا يزول عنها الماء لا تُغسل لعدم الفائدة في الغسل، بل تحفر. وعن أبي حنيفة: لا تطهُر حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة، وينقل التراب.
وقيل: يُشترط في تطهير الأرض أن يُصب على بول الواحد ذَنوب، وعلى بول الاثنين ذنوبان، وهكذا. والظاهر الأول، لحديث الباب ولاحقه، إذ لم يأمر عليه الصلاة والسلام فيهما بقلع الأرض.
ودليل الحنفية على الحفر ما رواه أبو داود عن عبد الله بن معقِل رضي الله تعالى عنه:"خُذوا ما بال عليه من التراب، فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماءً". وما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" عن طاووس، قال: بال أعرابي في المسجد، فأرادوا أن يضربوه، فقال عليه الصلاة والسلام:"احفِروا مكانه، واطرحوا عليه دلوًا من ماء، علِّموا ويسِّروا ولا تعسِّروا". وما أخرجه الدارقطني في "سننه" عن عبد الله قال: "جاء أعرابي، فبال في المسجد، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكانه فاحتُفِر، وصُبَّ عليه دلو من ماء". وما أخرجه أيضًا عن أنس أن أعرابيًّا