بال في المسجد، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:"احفِروا مكانه، ثم صُبوا عليه ذنوبًا من ماء".
قال في "الفتح": الموصول عن ابن مسعود إسناده ضعيف، والمرسلان رجالهما ثقات، وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقًا، وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقًا، والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين، وكان من أرسَلَ إذا سُمي لا يُسمَّى إلاَّ ثقة، وذلك مفقود في المرسَلَين المذكورين على ما هو ظاهر من سنديهما.
وفي الحديث أيضًا تعيين الماء لإِزالة النجاسة؛ لأن الجفاف بالريح أو الشمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الدلو، ولأنه لم يوجد المزيل، ولهذا لا يجوز التيمم بها.
وقال الحنفيّة غير زُفَر منهم: إذا أصابت الأرض نجاسة، فجفَّت بالشمس وذهب أثرها، جازت الصلاة على مكانها لقوله عليه الصلاة والسلام:"زكاة الأرض بيبسِها"، ولا دلالة هنا على نفي غير الماء؛ لأن الواجب هو الإِزالة، والماء مزيل بطبعه، فيقاس عليه كل ما كان مزيلًا لوجود الجامع، وإنما لا يجوز التيمم به لأن طهارة الصعيد ثبتت شرطًا بنص القرآن، فلا تتأذّى بما ثبت في الحديث.
وفيه أيضًا أن غُسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة؛ لأن الماء المصبوب لابد أن يتدافع عند وقوعه على الأرض، ويصل إلى محل لم يُصِبْه البول مما يجاوره، فلولا أن الغُسالة طاهرة، لكان الصب ناشرًا للنجاسة، وذلك خلاف مقصود التطهير. وإذا لم يثبت أن التراب نُقِلَ، وعلمنا أن المقصود التطهير، تعيَّن الحكم بطهارة البلة، وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضًا مثلها لعدم الفارق، وسواء كانت النجاسة على الأرض أو غيرها، لكن الحنابلة فرّقوا بين الأرض وغيرها، وكذا لا يُشترط عصر الثوب إذ لا فارق. وعند المالكية الغُسالة المتغيرة نجسة، وغير المتغيرة بشيء من أوصاف النجاسة طاهرة.