بيعته، فقال: أخِّرني وارفق بي، فأخّره ورفق به، فخرج إلى مكة، فأتاه رسل أهل الكوفة أنّا قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضُر الجمعة مع الوالي، فاقدُم علينا، وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة، فبعث الحسين بن علي إلى ابن عمه مُسلم بن عقيل، فقال له: سر إلى الكوفة، فانظر ما كتبوا به إلى، فإن كان حقًّا قدمت عليهم، فخرج مسلم حتى أتى المدينة، فأخذ منها دليلين، فمرّا به في البرية، فأصابهم عطش، فمات أحد الدليلين، وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه، فأبى أن يعفِيَه، وكتب إليه أن امضِ إلى الكوفة، فخرج حتى قدِمها، فنزل على رجل من أهلها يُقال له: عَوْسَجة.
فلما تحدث أهل الكوفة بقدومه دَبّوا إليه، فبايعه منهم اثنا عشر ألفًا، فقام رجل ممَّن يهوى يزيد بن معاوية، يُقال له: عبيد الله بن مسلم بن شعبة بن الحضرمي إلى النعمان بن بشير، فقال له: إنك لضعيف أو مستضعف، قد فسد البلد. فقال له النعمان: لأن أكون ضعيفًا في طاعة الله أحبُّ إليَّ من أن أكون قويًّا في معصية الله، وما كنت لأهتك سترًا ستره الله. فكتب بقوله إلى يزيد بن معاوية، فدعا يزيد مولى له يُقال له: مرحون، قد كان يستشيره، فأخبره الخبر، فقال له: أكنت قابلًا من معاوية لو كان حيًّا؟ قال: نعم. قال: فأقبل مني، إنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد فولِّها إياه، وكان يزيد عليه ساخطًا، وكان قد همَّ بعزله، وكان على البصرة، فكتب إليه برضاه عنه، وأنه قد ولاّه الكوفة مع البصرة، وكتب إليه أن يَطْلُبَ مسلم بن عقيل ويقتله إن وجده.
فأقبل عبيد الله بن زياد في وجوه البصرة حتى قدم الكوفة متلثِّمًا، فلا يمر على مجلس من مجالسهم فيسلم إلاَّ قالوا: وعليك السلام يا ابن رسول الله، وهم يظنون أنه الحسين بن علي نزل القصر، فدعا مولى له فأعطاه ثلاث مئة ألف درهم، وقال: اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يُبايع أهل الكوفة، فأَعْلِمْه أنك رجل من أهل حمص، جئتَ لهذا الأمر، وهذا مال تدفعه إليه ليَقْوى به. فخرج الرجل، فلم يزل يتلطّف به ويرفق حتى دُلَّ على شيخ يلي البيعة، فقال له الشيخ: لقد سرني لقاؤك إياي ولقد ساءني ذلك، فأما ما سرَّني من ذلك فما