والثالث: هما سواء في وجوب الغسل مطلقًا، سواء أكلا الطعام أم لا، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، واستدل لهما بأنه عليه الصلاة والسلام نضح، والنضح هو الغسل، لقوله عليه الصلاة والسلام في المذي:"فلْينضح فرجَه" رواه أبو داود وغيره من حديث المقداد، والمراد به الغسل كما وقع التصريح به في مسلم، والقصة واحدة كالراوي. ولحديث أسماء في غسل الدم:"وانضحيه" وقد ورد الرش وأريد به الغسل، كما في حديث ابن عباس في "الصحيح" لما حكى الوضوء النبوي، أخذ غرفة من ماء، ورش على رجله اليمنى حتى غسلها، وأراد بالرش هنا الصب قليلًا قليلًا. وتأولوا قوله:"لم يغسله" أي: غسلًا مبالغًا فيه بالعرك، كما تغسل الثياب إذا أصابتها النجاسة.
وأجاب المفرقون بينهما بأن النضح ليس هو الغسل كما في كتب أهل اللغة، فإنهم قالوا: النضح الرش، ولا نسلم أن حديث المقداد بمعنى الغسل، ولئن سلمنا فبدليل خارجي.
قلت: وهذا جواب لا يخفى ما فيه؛ لأن الحديث دليل أهل اللغة، فما ورد فيه مقدم على كلام أهل اللغة، مع أن كلامهم غير مناف له، وحديث ابن عباس والمقداد الماران صريحان في المراد.
وأجابوا أيضًا بأن ما ورد في الأحاديث من التفرقة بين بول الغلام والجارية يبعد ما قالوه من عدم التفرقة بينهما.
واستدل بعضهم بقول:"ولم يغسله" على طهارة بول الصبي، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور، وحكي عن مالك والأوزاعي، وأما حكايته عن الشافعي فجزم النووي بأنها باطلة قطعًا، وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم، وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم، فلا عبرة بجزم ابن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما بذلك عن الشافعي وأحمد، وكذلك لم يُعرف ذلك عند الحنابلة، فبول الصبي الذي لم يَطْعم نجس، ولكنه جُوِّز فيه النضح لتخفيف نجاسته لا لطهارته.
واستدل به بعض المالكية على أن الغسل لابد فيه من أمر زائد على مجرد