للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فركًا، فيصلّي فيه".

وقد اختلف العلماء في نجاسة المني وطهارته، فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والثوري والليث والحسن بن حي وفي رواية عن أحمد إلى نجاسته، إلاَّ أن أبا حنيفة يكتفي في تطهير اليابس منه بالفرك، وأما مالك فيُوجب غسله رطبًا ويابسًا. وذهب الشافعي وأحمد وداود وإسحاق إلى أنه طاهر، وأنه لا يُفسد الماء، وأن حكمه في ذلك حكم النخامة.

وعلى القول بنجاسته اختُلف في سبب تنجيسه، فقيل: لأن أصله دم غيرته الشهوة، ويرد على هذا عند المالكية عدم العفو عن دون الدرهم منه كالدم.

وقيل: لقذارته، وأُورد عليه المخاط، وأجيب بأن الأصل اقتضاؤه التنجيس، وتخلف في المخاط للتكرر، وهو موجب للطهارة.

وقيل: لمروره في مجرى البول، ويتخرج عليه طهارة مني ما بوله طاهر من الحيوانات.

استدل القائلون بنجاسته بالأحاديث الأربعة التي أخرجها المصنف، وغيرها من الأحاديث المذكور فيها الغسل، ففي جميعها قالت عائشة: "كنت أغسل وقولها: "كنت" يدل على تكرار هذا الفعل منها، وهذا أدل دليل على نجاسة المني. وأيضًا أعلى مراتب الأمر الوجوب، وأدناها الإباحة، ولا وجه للثاني هنا؛ لأن عليه الصلاة والسلام لم يتركه على ثوبه أبدًا، وكذلك الصحابة من بعده، ومواظبته -صلى الله عليه وسلم- علي فعل شيء من غير ترك في الجملة يدل على الوجوب بلا نزاع فيه. وأيضاً الأصل في الكلام الكمال، فإذا أطلق اللفظ ينصرف إلى الكامل، إلاَّ أن يَصْرِفَ ذلك قرينة تقوم فتدُل عليه حينئذٍ، وفحوى كلام أهل الأصول أن الأمر المطلق المجرد عن القرائن يدلُ على الوجوب.

واستدل القائلون بطهارته بما مرَّ من الأحاديث الدالة على عدم غسله، كحديث عائشة المار أنها كانت تَسْلُت المني من ثوبه بعِرْق ثم يصلي فيه، وتحكُّه من ثوبه يابسًا ثم يصلي فيه، فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالين،

<<  <  ج: ص:  >  >>