وبحديثها المار أيضًا من أنها كانت تفركه من ثوبه فركًا فيصلي فيه، قالوا: وهذا التعقيب بالفاء ينفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة. وبحديثها المار أيضًا أنها كانت تحكه من ثوبه -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، فهذه هي أقوى الأحاديث التي استدلّوا بها للتصريح فيها بالصلاة في الثوب. وحملوا أحاديث الغَسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب. وقد مرَّ تقرير دلالة أحاديث الغسل على الوجوب.
والجواب عن الحديث الأول أنه غير متضمن لترك الغسل في الحالين؛ لأن التعبير فيه بثمَّ الدالة على التراخي، فيمكن أن يقع الغسل بين السَّلْت والحكِّ والصلاة في الثوب كما مرَّ قريبًا في الدم من قوله: تحتُّه أو تحكُّه قصدًا للتخفيف، وهم لا يقولون بطهارة الدم، فكذلك المني هنا.
والجواب عن الثاني من كون التعقيب بالفاء ينفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة هو أن كون الفاء للتعقيب لا ينفي احتمال تخلل الغسل؛ لأن أهل العربية قالوا: إن التعقيب في كل شيء بحسبه، ألا ترى أنهم قالوا: تزوج فلان فوُلد له إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وهي مدة متطاولة، فيجوز على هذا أن يكون معنى قول عائشة أنها كانت تفركه من الثوب ثم تغسله فيصلي فيه، ويجوز أن الفاء بمعنى ثم، كما في قوله تعالى:{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا}[المؤمنون: ١٤]، فالفاءات فيها بمعنى ثم، لتراخي معطوفاتها، فإذا ثبت جواز التراخي في المعطوف، يجوز أن يتخلّل بين المعطوف والمعطوف عليه مدة يجوز وقوع الغسل في تلك المدة، ويؤيد كون الواو بمعنى ثم رواية البزار في "مسنده"، والطحاوي في "معاني الآثار" لهذا الحديث عن عائشة أنها قالت: "كنت أفرُكُ المنيَّ من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم يصلي فيه" فصرح بثمَّ الدالة على التراخي، وخير ما فسرته بالوارد.
والجواب عن الثالث هو أن قولها:"وهو يصلي" جملة اسمية وقعت حالًا منتظرةً، أي: والحال أنه منتظر للصلاة، لا أن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت