نعمة. وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة، وهو المناسب لهذه القصة. وقيل اجتَوَوا، أي: لم يوافقهم طعامها، زاد المصنف في رواية يحيى بن أبي كثير قبل هذا:"فأسلموا"، وفي رواية أبي رجاء قبل هذا:"فبايعوه على الإِسلام"، وللمصنف عن قتادة في هذه القصة:"فقالوا: يا رسول الله: إنا كنا أهل ضَرْع، ولم نكن أهل ريف"، وله في الطب عن ثابت:"إن ناسًا كان بهم سُقْم، قالوا: يا رسول الله: آوِنا وأطعمنا. فلما صحّوا، قالوا: إن المدينة وخمة"، والظاهر أنهم قدموا سِقامًا، فلما صحوا من السُّقم كرهوا الإقامة في المدينة لوخَمها.
والسقم الذي كان بهم هو الهزال الشديد والجهد من الجوع، فعند أبي عَوانة عن أنس:"كان بهم هزال شديد"، وعنده أيضًا عنه:"مصفرةٌ ألوانُهم"، وأما الوَخَم الذي شكَوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حُمّى المدينة كما عند أحمد، وعن مسلم عن أنس:"وقع بالمدينة المُوم" -بضم الميم وسكون الواو-، وهو البِرْسام -بكسر الموحدة- سرياني معرب، يطلق على اختلال العقل، وعلى ورم الرأس والصدر، والمراد هنا الأخير. فعند أبي عَوانة عن أنس في هذه القصة:"فعَظُمت بطونُهم".
وقوله:"فأمرهم بلِقاح" بلام مكسورة، جمع لَقُوح كقَلوص وقِلاص، أو جمع لِقْحة بكسر اللام، وهي النوق ذوات الالبان، ويقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر، ثم هي لبون. والمعنى: أمرهم أن يلحقوا بها، وللمصنف عن أبي قَتادة:"فأمرهم أن يلحَقوا براعيه"، وله عن حماد:"فأمر لهم بلِقاح" بزيادة اللام، فيحتمل أن تكون زائدة، أو للتعليل، أو لشبه الملك، أو للاختصاص، وليست للتمليك.
وعند أبي عَوانة أنهم بدؤوا بطلب الخروج إلى اللقاح، فقالوا:"يا رسول الله: قد وقع هذا الوخم، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل". وللمصنف عن أيوب أنهم قالوا:"يا رسول الله: أبغِنا رِسلًا" أي: اطلب لنا لبنًا. قال:"ما أجِدُ لكم إلا أن تلحقوا بالذَّود"، وفي رواية أبي رجاء:"هذه لقاح لنا تخرج، فاخُرجوا فيها"، وظاهر ما مر أن اللقاح كانت له عليه الصلاة والسلام، وصرح بذلك في