غيره، ويدل عليه أن من ليس معه ماء إلا لطهارته، ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيمم، بل يستعمله ولو مات المرتد عطشًا.
وقال الخطابي: إنما فعل عليه الصلاة والسلام ذلك بهم؛ لأنه أراد بهم الموت بذلك.
وقيل: إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حَصَلَ لهم بها الشفاء من الجوع والوخم، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا بالعطش على من عطَّش آل بيته في قصة رواها النسائي، فيُحتمل أن يكونوا في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يُراح به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من لِقاحِهِ في كل ليلة، كما ذكره ابن سعد.
وقوله "قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا"؛ لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها، وهذا قاله أبو قِلابة استنباطًا.
وقوله:"وكفروا" هو من روايته عن قَتادة عن أنس في "المغازي"، وفي رواية وهيب عن أيوب في أصل الحديث في الجهاد.
وقوله:"وحاربوا الله ورسوله" أطلق عليهم المحاربة، لما ثبت عند أحمد من رواية حُميد عن أنس في أصل الحديث:"وهربوا محاربين"، فليس قوله:"وكفروا وحاربوا" موقوفًا على أبي قِلابة. وقول أبي قِلابة هذا إن كان مقول أيوب فهو مسند، وإن كان من مقول المؤلف فهو من تعاليقه.
وفي الحديث من الفوائد غير ما مر قدوم الوفود على الامام، ونظره في مصالحهم. وفيه مشروعية الطب والتداوي بألبان الإبل وأبوالها. وفيه أن كل جسد يُطَبُّ بما اعتاده. وفيه قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة، إن قلنا: إن قتلهم كان قصاصًا. وفيه المماثلة في القصاص، وليس ذلك من المثلة المنهي عنها. وثبوت حكم المحاربة في الصحراء، وأما في القرى ففيه خلاف. وفيه جواز استعمال أبناء السبيل إبل الصدقة في الشرب وفي غيره قياسًا عليه بإذن الامام. وفيه العمل بقول القائف، وللعرب في ذلك المعرفة التامة.